خذوا القصر واعتِقوا الجمهورية

عصام الجردي

الإثنين 2020/06/22

"المصاب جللٌ والخسارة لا تعوّض". جبران باسيل لا يريد رئاسة الجمهورية قال في مؤتمره الصحافي. تداعى له آخرون يريدونها بالسُقام والحمّى. من يعلم قد يبدّل رأيه على الأرجح. المرحلة تحتاج إلى رئيس قوي ولا يوجد إلّاه منقذًا كي يكمل "الإصلاح والتغيير" الذي لم يتمكّن منه بعد سنوات في السلطة "لأن أضراره لا يريدون له فلاحًا ولا يدعونه يعمل".. عُقد اللقاء الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون أم لم يُعقد، المطلوب واحد. قرارات تعيد ثقة مواطن بات جائعًا ومهدّدًا في أمنه الغذائي وصحته وتعليمه. وقلقًا على وطنه ومصيره. أقلّ تلك القرارات مرسوم التشكيلات القضائية. وإصلاحات معروفة لم يحصل واحد منها لتاريخه.

لدينا خطة جديدة الآن للتفاوض مع صندوق النقد الدولي لا تقيم أي اعتبار لحقوق الناس والمودعين. قلبت الأرقام رأسًا على عقِب. لأن الأهداف ليست واضحة ولا سليمة. وفيها الكثير من الرياء. الحكومة بوصفها سلطة إجرائية هي التي تضع الخطط. مجلس النواب يراقبها ويحاسبها. يوافق على ما يحتاج إلى قوانين فيها أو لا يوافق. إذا كان المجلس سيضع هو الخطة عبر لجنة المال والموازنة والمصارف مدعومة من رؤساء الكتل النيابية، ماذا تفعل الحكومة إذن؟ هل هذه هي المؤامرة التي تحدّث عنها رئيس الحكومة حسّان دياب قبل أن يعلن رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان الخطة البديلة بدعم قوي من رئيس مجلس النواب نبيه برّي؟

أتينا بصندوق النقد الدولي الذي يواجه حالة فريدة من نوعها في بلد على وشك الانهيار. والصندوق شخّص حالة لبنان والحاجة إلى الإصلاح في تقرير مهم أودعه المسؤولين في آب 2019 ممهورًا بتوقيع المديرين التنفيذيين. أصحاب القرار الحاسم ببرنامج القروض للبنان. الدائنون الدوليون الذين توقفنا عن سدادهم في آذار ينتظروننا على المنعطف ولم ينسوا ديونهم. يبدو أن السلطة قد نسيت. تنتظرنا جولة أخرى بلا رحمة لو قرّر الصندوق وقف التفاوض. أو انتهى بلا برنامج ولا إصلاحات. منافذ تعهدات سيدر تضيق. وكل المنافذ العربية والدولية سُدّت في وجهنا. الصندوق يقول بخطة الحكومة وتقديرها الخسائر أقرب إلى الواقع من خطة مجلس النواب، ومصرف لبنان، والمصارف وهيئات أصحاب الأعمال. صمت رئيس الجمهورية والحكومة عن ذلك يعني إقرارًا بأن على الصندوق أن يذعن لمقاربة لا يريدها للخسائر. وعند هذه النقطة بالذات سينجلي توزيع أعباء "سِفر الخروج من فرعون الانهيار". خفض الخسائر راديكاليًا يعني احتفاظ المصارف برساميلها. وتحوير خسائر مصرف لبنان إلى آجال لاحقة. أي على نحو غير مباشر إعادة جدولة وليس إعادة هيكلة. تبقى "الدولة اللعينة" وكياناتها هي الضمانة، وليس السلطة الأوليغارشية التي أنفقت وأهدرت وسرقت.. كل أطراف الصراع المحتدم على الخسائر، واستطرادًا على توزيع أعباء الخروج، مسؤول عن الانهيار إلّا المودع. كبار المودعين هرّبوا أموالهم. الباقون أصواتهم خفيضة كودائعهم. تكفّل مصرف لبنان بإخراج عشرات الآلاف منهم بالسعر المغري البخس. وبقي من لا حول له ولا قوة.

مقولة التجارة بالليرة!
قانون قيصر لا يتعلّق بلبنان بل بالنظام السوري. لبنان معني بسيادته على حدود ومنافذه. العلاقات التجارية لها قواعد وأصول. تجارة العبور (الترانزيت) تحكمها اتفاقات جامعة الدول العربية واتفاقات دولية. تقاضي الرشى على المنافذ السورية لعبور شاحنات النقل الخارجي ثقافة النظام الرائجة لعلّة الإثم الجغرافي. وإغلاق الحدود كذلك لسبب أو من دونه. لقد تشبّع هذا النظام من لبنان بما فيه الكفاية. رقابة حدودنا وظيفة الحكومة اللبنانية ورئيس الجمهورية ومجلس النواب. أطفال لبنان وتلامذته وطلابه وشيوخه وشبابه ونساؤه ومستقبله هم الشأن الوطني وليس النظام السوري ولا نظام طهران.

إلى الشرق درّ قال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله. وبالليرة اللبنانية يمكن الاستيراد. يبدو أن مستشاريه الاقتصاديين لم يعرضوا عليه الصورة كاملة أو غشيت أبصارهم. كل عملة مآلها النهائي إلى دولتها. ماذا تفعل سوريا وايران بالليرة اللبنانية لقاء الاستيراد منها؟ هي عملة ليست قابلة للتبادل دوليًا وتجاريًا. ستعود طبعًا إلى لبنان لشراء العملات الأجنبية. في أحسن الظروف شراء سلع من لبنان ممولّة بالعملات الأجنبية. والنتيجة واحدة. حتى المقايضة السلعية. لها حسابات مختلفة تتصل أيضًا باحتياط العملات الأجنبية ولو على نحو غير مباشر. إذ أن السلع الصناعية لدى الشركاء محمّلة مدخلات خامًا ومواد أولية مستوردة بالعملات الأجنبية. وبالتالي فالمقايضة يفترض أن تكون بمقياس الذهب تبعاً لتكلفة المواد الأولية.

كل ذلك لو قرّر لبنان ركوب المخاطر في التجارة مع دمشق وطهران في ظل العقوبات. التعامل مع الشروط والعقوبات التي تفرضها واشنطن وكأنها إخضاع للشعوب التي لا ترى رؤيتها السياسية وتخرج عن طاعتها وجه من وجوه الحقيقة. لكن الوجه الآخر وهو الأهمّ الذي يتم تجاهله لأسباب سياسية، يكمن في أن الدولار الأميركي والنظام المصرفي والمالي الأميركي سلاحان فتّاكان في يد واشنطن. كم من التريليونات خسرت مجموعة الدول السبع نتيجة أزمة 2008؟ الاتحاد الأوروبي مع المملكة المتحدة، واليابان، والصين ضمن خمس عشرة دولة ناشئة في العالم، لم تتمكّن من استيلاد بديل من الدولار الأميركي للتجارة الدولية وتسعير السلع والخدمات. أكثر من ذلك. لم تتخلّ واشنطن عن أدوات المشتقات المالية المؤكسدة التي استولدت الأزمة. سقف ما تمكّن منه الرئيس السابق باراك أوباما، هو فكّ الارتباط بين المصارف التجارية التقليدية وبين المصارف الاستثمارية العملاقة، وَكر المشتقات المالية التي تؤثر مغامرة الأرباح لقاء المخاطر الجسيمة. فشرّع قانون يضع حدًا لمبدأ (Too Big to Fail) أي لا يوجد مصرف مهما كبُر خارج دائرة الإفلاس كي تهرول الإدارة ووزارة الخزانة والاحتياط الفدرالي إلى دعمه من دافعي الضرائب منجاةً من انهيار النظام المالي.

أوراق الدعم الباهتة
لقد فقد لبنان كل أوراق الدعم العربي والدولي نتيجة سياساته الخارجية وتورط "حزب الله" في الحروب الإقليمية لدواعي لا علاقة للبنان بها. نطلب استثناءات من قانون قيصر لاستجرار الكهرباء من سوريا على غرار ما منحته واشنطن للعراق لاستيراد بعض السلع لاسيما البتروكيميائية. الولايات المتحدة تتغاضى عمّا هو أهم في لبنان. المقاصة بالدولار الأميركي في مصرف لبنان وهي الوحيدة لدولة بغير عملتها. ولو شاءت وضغطت لإلغائها لانهار الوضع في أيام. كل العمليات التجارية والعقارية التي تتم بعد الأزمة تحصل بشيكات مصرفية بالدولار الأميركي. في غياب التقاص تصبح أثرًا بعد عين.

لسان حال المواطن اليوم، القرارات الآن بالإصلاح، انعقد لقاء بعبدا أم لم يعقد. أو خذوا القصر واعتقوا الجمهورية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024