عون يستبدل علم الإقتصاد بالتطبيل

خضر حسان

الجمعة 2018/11/02

بإستثناء العونيين، لم ينتظر أحد من اللبنانيين أن يكون الحوار التلفزيوني، الذي جمع رئيس الجمهورية ميشال عون بعدد من الإعلاميين، مثمراً. والقسم الإقتصادي من الحوار، بالأخص، كشف غياب رئاسة الجمهورية تماماً عن حقيقة ما يدور في أروقة إدارات الدولة، وتحديداً تلك التي يسيطر عليها التيار الوطني الحر.


إنتقت رئاسة الجمهورية عدداً من الإعلاميين لإجراء حوار مباشر مع عون، يوم الأربعاء 31 تشرين الأول، وأسقطت من حساباتها أهمية دعوة إختصاصيين في مجاليّ السياسة والإقتصاد. لم يكن الأمر مفاجئاً، إذ ان الحوارات المشابهة لا تهدف إلى وضع النقاط على الحروف في مختلف المجالات والقطاعات الإنتاجية والقضايا المعيشية، وإنما هدفها الإستعراض الإعلامي.
محاولة خلق إنتصارات وإنجازات تسجّل لما يسمّى "العهد"، إصطدمت بعراقيل سياسية، تجلّت بتعقيدات تشكيل الحكومة التي إستحوذ النقاش حولها على الزمن الأكبر من عمر الحوار. وإذا كان تناول الجانب السياسي ممكناً لأيّ إعلامي يتابع السياسة اليومية، إلاّ ان الحديث عن الإقتصاد ومالية الدولة والوضع النقدي وصفقات إدارات الدولة مع الشركات الخاصة، لا يمكن ان يُعرَض بطريقة علمية صحيحة إلاّ من خلال المتخصّصين، وعن طريق طرح المسائل بالأدلة والأرقام، فعلم الإقتصاد لا يرتكز على التحليلات والآراء، بل يعرف الأرقام والوقائع.


خطر الإعلام!
ولأن طاولة الحوار تلك لم تلحظ الدقة العلمية، كان بديهياً ان يتناول المتحاورون الشأن الإقتصادي بسطحية واضحة، فإبتعدوا عن التصويب على جوهر الأزمات الإقتصادية، وعن تحديد المسؤولين عنها، بإستثناء إلقاء عون المسؤولية على الإعلام الذي يهوّل بشأن خطورة الوضع الإقتصادي، وينقل صورة غير صحيحة عن مالية الدولة ووضع الليرة. فعون الذي سُئل عمّا إذا كان يدق ناقوس الخطر بالنسبة للوضع المالي والنقدي والاقتصادي، أجاب بأنه ليس قلقاً، لكن في حال إستمرار الوضع الإقتصادي على ما هو عليه "يحصل الخطر". معلناً أن "الخطر الأكبر هو حديث الإعلام عن تدهور الليرة، وان الدولة ستفلس وهذا ليس صحيحاً".


وربط عون بين ما يقوله الإعلام اليوم وبين إفلاس بنك إنترا في العام 1966، والذي سبّبه - برأي عون - شائعات الإعلام حول إفلاس البنك، الأمر الذي دفع المودعين إلى سحب ودائعهم بصورة سريعة أدت الى الإفلاس. والمؤسف أن الإعلاميين المتحلّقين حول طاولة عون، أيّدوا المقاربة، وشهدوا ضدّ المهنة التي يمثّلونها. علماً ان إفلاس بنك بحجم إنترا لم يكن بسذاجة نشر شائعات إعلامية لبضعة أيام.


حقائق كهربائية
أكمَل عون قراءته الإقتصادية، وتابع محاوروه التوقيع الفوري على كلامه دون تدقيق، فإنطلت عليهم تجديد الوعود بكهرباء 24/24، ورمي مسؤولية تعطيل إنشاء معامل الكهرباء على "الشباب"، الذين بقيت هويتهم مجهولة، إلاّ إذا إستُنبطت من فحوى الكلام، وبالتالي هم الأطراف الأخرى في السلطة، غير العونيين، والذين برأي الرئيس، عليهم الموافقة على الخطط العونية حول الكهرباء، لإنجاح القطاع.


في خضم الحوار، كان لتلزيم تعهّدات مشاريع الدولة حصة، وكان نقاشها سطحياً أيضاً، ولا ينسجم مع حقيقة آليات التلزيم، ما يشي بأنّ ما يقدّمه المعنيون بإيصال الملفات الى الرئيس، مجافياً للحقيقة. إذ عرج عون الى ملف التلزيمات في وزارة الطاقة، معلناً انه "أخذنا قراراً بمنع التلزيم بالشورت ليست short list"، أي بإعتماد قائمة صغيرة ومحددة سلفاً لعدد من المتعهدين، وبذلك، فتحنا الإلتزامات لكل المتعهدين المصنّفين ومنعنا الإتفاقات بالتراضي، وهذا وفّر مالاً. لكن لا أحد رأى ذلك".


صَدَقَ عون بأن أحداً لم يرَ ما يعتبره إنجازاً، لأن وزارة الطاقة لم تترك مشروعاً إلاّ ولزّمته بالتراضي، وبإعتماد "الشورت ليست"، حيث "تعتمد الوزارة على بعض الشركات والمتعهدين دون غيرهم، وبعضهم غير مصنّف. وفي حالة عدم التصنيف، تضع الوزارة المعلومات عن ذلك المتعهد في ملف يسمى الملف رقم صفر، وتوقع معه الإتفاق في حال ربح المناقصة، على أن تنظر في تصنيفه لاحقاً، وهذا مخالف للقانون"، وفق ما تؤكده مصادر في وزارة الطاقة، والتي تشير خلال حديث مع "المدن"، الى ان "هناك لائحة بنحو 5 شركات تحصر الوزارة تعاملها معهم، وفي المقابل، هناك لائحة بشركات أخرى، تدعوها الوزارة دائماً الى المشاركة بتقديم العروض للمناقصات، لكنها وللمصادفة، لا تحضر. الأمر الذي يحصر المناقصات بالشركات المنوي تلزيمها مسبقاً، وذلك عبر عقود التراضي".


وفي سياق الحديث عن الشورت ليست، وضمن إحدى المراسلات بين الوزارة ومؤسسة كهرباء لبنان، طلب وزير الطاقة سيزار أبي خليل من المؤسسة "عقد صفقة إضافية بالتراضي للمرة الثالثة مع شركة Electrical Technologies s.a.l لتقديم بضاعة من الشركة الصانعةGeneral Electric وأعمال إضافية لإجراء صيانة عامة متصلة بالمجموعة الرابعة في معمل الذوق". كما أن الوزارة لا تجد أمامها سوى شركة Poyry الإستشارية، للتعاقد معها في كل ما يتعلق بملف بواخر الطاقة. وللمفارقة، دائماً ما توصي هذه الشركة بعقد إتفاق مع الشركة التركية كارادينيز التي يدافع عنها التيار العوني.


فقدان المعلومات
وأمام كل الأزمات التي تمر بها البلاد، قلّل عون من شأن خبراء الإقتصاد اللبنانيين، الذي لم تُعهد إليهم وضع خطة للنهوض بإقتصاد البلاد، بل عهدت الى شركة ماكينزي. فلا يعتقد عون ان الخبراء اللبنانيين لديهم الخبرة، لأن "الخبرة والتجربة لها أهمية في موضوع التخطيط للإقتصاد". ولشرح وجهة نظره، أكد بأن "لا يمكن لأحد ان يصنع خبزاً من طحين الذرة". ما يفسّر ان ما يملكه الخبراء اللبنانيون لا يصنع دراسة فعالة. لكن غاب عن بال الرئيس ان الإقتصاديين اللبنانيين هم من أعدّوا فعلياً دراسة ماكينزي.


هذه المعلومات ربما لا يعرفها عون ومحاوروه، لكن مسؤولية الرئيس تحتّم عليه إختيار فريق عمل يعطيه المعلومات الدقيقة حول وضع الإدارات العامة ومجريات التلزيمات فيها. أما مسؤولية المحاورين، فهي بذل الجهد في متابعة الملفات ومراجعتها بدقة قبل إجراء حوار مباشر على الهواء.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024