جمعية شبابيك: تأمين صحي للفقراء

جنى الدهيبي

الخميس 2018/10/11

كم مواطناً لبنانياً اختبر تجربة الوقوف "متسولاً" أمام أبواب المستشفيات التي لا يملك ثمن فاتورتها؟ وكم مواطناً لبنانياً مات أمام هذه الأبواب، لأنّه يعيش من دون ضمانٍ صحيّ يعطيه حقّ الدخول إلى المستشفى لتلقي العلاج؟

كثيرةٌ هي الحالات والقصص المأساوية في بلدٍ يحرم المواطن من أدنى حقوقه: الطبابة المجانيّة. وحلم "البطاقة الصحيّة"، يبقى مستحيلاً، طالما أنّ قطاع الاستشفاء يستمر في ترسيخ الطبقيّة في لبنان. كأنّ على الفقير أن يدفع ثمن فقره، حين لا تعامله المستشفيات بوصفه مواطناً لبنانياً. وإن لم يحظَ هذا "الفقير" على تغطية وزارة الصحة نفقاته الاستشفائيّة، يبقى أمام خيار اللجوء إلى أحد السياسيين او الأحزاب او التيارات لسداد هذه الفاتورة، وحتماً، تكون "التبعيّة" هي المقابل!

في مبادرةٍ جريئة في القطاع الصحي، تعاقدت أخيراً جمعية شبابيك في بيروت مع الشركة العربية للتأمين من أجل توفير بطاقة تأمين صحيّة تتوجه فيها إلى الطبقات الفقيرة حصراً. هو تحدٍ صعب، فكيف ذلك؟

يشرح المهندس يحي مولود، لـ"المدن"، وهو واحد من أصحاب الفكرة، تفاصيل هذا المشروع الذي عمل على تأسيسه. مولود الذي خاض الاستحقاق الانتخابي في أيار 2018 مترشحاً على لائحة كلنا وطني عن المقعد السني في طرابلس، تجنب إطلاق مشروعه قبل الانتخابات، كي "لا يُساء فهمه من منطلق استغلالي"، على حدّ وصفه، وكي لا يجري وضعه في سياق الاستثمار الانتخابي الذي تعتمده مختلف القوى السياسية مع جماهيرها.

يعتبر مولود أنّ أكثر المشاكل التي تتمحور حولها حياة المواطن اللبناني هي ثلاث: الحماية، الصحة والتربية. لكنّ "معظم القوى السياسية في لبنان، تعمل وفق خطاب طائفي محرض يرتكز على تأمين الحماية لجماعتها. إذ يذهبون إلى أقصى التطرف في خطاباتهم، ثم يتاجرون بالناس في موضوعي الصحة والتربية. وقد تكرست هذه النظرية خلال الانتخابات، لذا لم أطلق مشروعي قبل الانتخابات كي لا تفهمه الناس من منطلق المتاجرة بحاجاتهم لأهداف سياسية، علماً أنّ الفكرة كانت جاهزة، وقد تكرست قناعتي للأزمة الصحية في لبنان".

الهدف من مشروع بطاقة التأمين الصحي هو تحرير المواطن اللبناني من أيّ تبعية تربطه بزعيمه من خلال حاجته إليه لتأمين حمايته في هذا الشأن، وكسر مفهوم التبعيّة من خلال امساك المواطنين من نقاط ضعفهم وعجزهم عن تدبير شؤونهم في بلدٍ يحرم المواطن من حقّ الطبابة المجانيّة. يستشهد مولود بشعارٍ ترفعه بعض المستشفيات الأميركية على أبوابها: "أنت مجبر على أن تدفع فاتورة المستشفى، وإذا كنت لا تملك ثمنها، المستشفى مجبرة على تأمين طبابتك".

اجتمع عدد من الأفراد من خلال جمعية شبابيك، لتقديم هذه الخدمة. "فكرنا كيف نقدم للمواطن اللبناني بطاقة تؤمن له الحماية الصحية من دون أن يتكلف او يكون مستزلماً لأحد من أجل حمايته صحيّاً". سقف البطاقة 20 ألف دولار أميركي للفرد، تغطي تكاليف الاستشفاء في 130 مستشفى على مختلف الأراضي اللبنانيّة، مقابل 10 دولارات شهريّاً فقط لا غير. وهناك نوعان من البطاقات، بطاقة تغطي فرق الضمان وهو 10%، وبطاقة أخرى تغظي 100% نفقات الاستشفاء للمواطنين غير المضمونين على الاطلاق. يقول مولود: "البطاقة بطريقة تغطي كل ما يحتاج إليه المواطن للاستشفاء، ولا تختلف بشيء عن بطاقات التأمين الأخرى التي يكون ثمنها باهظاً على كاهل الطبقات المفقيرة. وهذه الخدمة تخلق نوعاً من المنافسة الشريفة قد تدفع شركات التأمين إلى تخفيض أسعارها".

يهدف المشروع إلى خدمة الطبقات الفقيرة. لكنّ، ثمّة تحديات كبيرة يتوجس منها مولود. "التحدي الأساسي هو في سوء النيّة، والتدخل السياسي الذي يسعى لضرب أيّ مبادرة تؤذي قوّة تأثير السياسيين واستئثارهم للمواطنين". كذلك، ثمّة خشية من ثقافة التأمين التي تخيف هذه الطبقة لأنها لم تختبرها من قبل. "ما نسعى إليه، هو أن يدرك المشتركون أنّه حتّى الـ10 دولار ليست للربح، وإنما لضمان استمرار المشروع الذي تأسس بتمويل ذاتي، وعلى الناس أن تحاسب من خلال الممارسة".

مولود الذي يعوّل على نجاح المشروع بضمان استمراريّته، يشير إلى أنّه عندما يملأ المشتركون استماراتهم من خلال التواصل مع جمعية شبابيك، يحصلون على جداول مفصلة بكلّ ما تضمن البطاقة تغطيته، وجدول بأسماء المستشفيات الذي استثني منها 4 مستشفايات فحسب في لبنان.

وفي السياق، تشير ميرا عدرة لـ"المدن"، وهي واحدة من مؤسسي جمعية شبابيك، إلى أنّ الجمعية المؤسسة حديثاً تهدف إلى المساهمة في تحسين الظروف المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والصحية من خلال: بطاقة تأمين صحي بسعر زهيد، مساعدة الأسر ذات الدخل المحدود على إيجاد دخل يفي بحاجاتها عبر إنشاء مشاريع صغيرة، دورات لتعليم القراءة والكتابة وتعليم مهني، دورات علاج نفسي بالموسيقى والمسرح، أنشطة اجتماعية وثقافية ومكتبة عامة للمطالعة وتبادل الكتب.

وتتألّف الهيئة التأسيسية لشبابيك من فاتن زين (رئيسة)، غنى دوغان مسكي، سوزان مكه ورالف رامز نادر، إضافة إلى عدرة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024