تفلت الدولار: التاكسي بـ100 ألف والنقل للأثرياء فقط

خضر حسان

السبت 2020/10/03
تتقلّب الأسعار يومياً على وقع ارتفاع أسهم الدولار في سوقٍ تُسمّى سوداء، إلاّ أنها المنصّة الفعلية لتحديد قيمة كل شيء في هذه البلاد. وحدها تعرفة النقل بقيت على حالها، باستثناء تعديل بسيط رَفَعَ كلفة "السرفيس" إلى 3000 ليرة بدل 2000 ليرة. وهذه نسبة لا تتناسب مع المعدّل الفعلي لارتفاع أسعار الدولار، خصوصاً أن السائقين العموميين يضطرّون إلى تحمّل كلفة صيانة سياراتهم بالدولار، أو ما يعادله بسعر صرف السوق السوداء.

شحّ المحروقات
بقي السائقون العموميون على مسافة بعيدة نسبياً من باقي القطاعات. فاعتبر السائقون أن كلفة المحروقات ما زالت مقبولة ولا تستدعي رفع التعرفة بمعدّل مرتفع جداً، أسوة بباقي السلع والخدمات التي تتحدَّد كلفتها بالدولار مباشرة. وعملية صيانة السيارات لا تتم بشكل يومي، ما يُمَكِّن السائقين من اكتساب هامش للمناورة في تحديد التعرفة.

لكن شحّ المحروقات، وتحوُّل طوابير السيارات إلى مشهد شبه يومي أمام محطات المحروقات، دَفَعَا السائقين إلى إعادة النظر في موقفهم حيال التعرفة. فالمسألة المستجدّة تمسّ المادة الأساسية في عمل قطاع النقل، والتي من دونها ينتفي وجود القطاع، أو في أحسن الأحوال، يصبح رهينة محتكري المحروقات.

وما يُقلق أهل قطاع النقل، ليس فقط ارتفاع أسعار المحروقات. فالأسعار ارتفعت في السابق، ووصلت صحيفة البنزين إلى نحو 40 ألف ليرة، ولم يحصل تخبّط على مستوى الشارع، لأن المادة متوفّرة ولم تشهد المحطات طوابير كالتي تشهدها اليوم. والمقلق إذاً هو اختفاء المادة لصالح محتكرين معروفين في المناطق، يذهبون بها إلى خارج الحدود أو يخزّنونها داخل لبنان، تمهيداً لكسب المزيد من الأرباح لاحقاً.

رفع الدعم
ومنذ نحو 3 أشهر، ومسألة رفع الدعم عن المحروقات والخبز والدواء، تتصدّر عناوين وسائل الإعلام ونقاشات الناس اليومية. فرفع الدعم يعني انفلات الأسعار. وكلفة النقل هي إحدى الأسعار المهددة بالارتفاع.

لكن أن يحسم رئيس اتحادات ونقابات النقل البري بسام طليس، وصول تعرفة السرفيس إلى 9 آلاف ليرة والتاكسي إلى 45 ألف ليرة، فهذا يشكل انعطافاً كبيراً في مسار ارتفاع الأسعار. ولا يتكهّن طليس بهذه الأرقام، ففي حديثه إلى "المدن"، يقول إن "الدولة سترفع الدعم عن المحروقات ليصبح سعر صفيحة البنزين 70 ألف ليرة، وبالتالي تقول الدولة للسائق العمومي: اضرب تعرفتك بثلاثة".

ويرى طليس أن "السائق لا يملك خياراً، ولا يمكنه تحمّل كلفة ارتفاع الأسعار من جيبه الخاص". ويقسم المعاناة بين السائق والمواطن بوصفه مستهلكاً لخدمة النقل، وبالتالي "يصبح المواطن أيضاً ضحية السلطة. فهو كالسائق لا يملك خياراً". والمواطن يدرك ما يحصل على محطات المحروقات، ويعرف أن رفع تعرفة النقل ليس خياراً مفاجئاً جاء بتوقيت خاطىء، وإنما خيار إلزامي فرضته الدولة بفعل سياساتها الخاطئة.

غياب المرجعيات
حتى الآن لم يخرج أي مسؤول سياسي ليشرح للناس ما يحصل. ولم تعلن أي جهة رسمية مسؤوليتها عن هذا الواقع. وبالتوازي، لم تتحدث السلطات عن خطّتها البديلة، للنقل العام المشترك. بل كل ما يحصل، هو استمرار تصدّر مصرف لبنان المشهد، بعد حديث حاكمه رياض سلامة عن رفع الدعم بفعل تراجع قيمة الموجودات بالدولار، والتي يمكن للمركزي دعم السلع من خلالها.

وعليه، إذا كان المصرف المركزي يملك القرار ويحدد ما يمكن فعله وهو المسؤول عن أمننا الاجتماعي، "فليكن سلامة ونوّابه هم الحكومة، ولنتوقّف عن السعي لتشكيل حكومة جديدة"، وفق طليس الذي يلفت إلى أنه في ظل غياب أي مؤشرات إيجابية، ستلجأ اتحادات النقل يوم الإثنين المقبل إلى تحديد موقف حاسم حيال تعرفة النقل وكل ما ينعكس على هذا القطاع.

فمن غير المقبول لطليس "أن تقوم الدولة بإجراء تجربة الطوابير أمام المحطات، لدفعهم إلى القبول بكلفة 70 ألف ليرة للصفيحة، شرط توفير المحروقات. وبذلك تكون الدولة قد رفعت الكلفة وتفادت رد فعل الناس عبر ابتزازهم بتوفير المحروقات. وإلاّ فليكن الشح مقابل عدم رفع الأسعار. وفي جميع الأحوال، لا يستطيع قطاع النقل تحمّل كلفة نقل منخفضة".

الناس وأهل القطاعات متروكين لمصيرهم. كلفة النقل سترتفع، ولا تكهّنات في الأمر. كلفة المحروقات سترتفع، وهذه حقيقة. أسعار السلع ستحلّق وسط انقطاع بعضها من الأسواق. قد لا تصل الكلفة بشكل دقيق إلى ما أعلنه طليس، وقد تتخطّى ما أعلنه، فلا أحد يضمن تسعير المحروقات بفعل التقلّبات التي يشهدها سعر صرف الدولار. وإذا كان طليس قد اعتمد على المعايير الحسابية لتحديد كلفة السرفيس والتكسي، فإن هذه المعايير تفترض إمكانية وصول التاكسي إلى نحو 100 ألف ليرة، إذ أن بعض الترجيحات تفترض وصول صفيحة البنزين إلى نحو 150 ألف ليرة بعد رفع الدعم.

حتى تحقيق أي سيناريو مُحتَمَل، يبقى المؤكّد أن المحروقات سترتفع بنسبة لا يستطيع المواطن احتمالها في ظل تناقص القدرة الشرائية للعملة اللبنانية، سيّما وأن الرواتب لم تشهد أي تعديل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024