تفاصيل جديدة عن علاقة إسكندر صفا بإسرائيل

خضر حسان

الثلاثاء 2016/12/06
لم تشفِ الصحيفة الإسرائيلية "يديعوت أحرونوت" غليلها من رجل الأعمال اللبناني إسكندر صفا. فبعد التقرير الأول الذي نشرته عن علاقة شركة "أبوظبي مار" الإماراتية، بشركة "تيسنكروب" الألمانية لصناعة السفن الحربية، ودور صفا الذي يملك 30% من أسهم الشركة الإماراتية، في هذه العلاقة، نشرت الصحيفة تقريرها الثاني الذي سلّط الضوء أكثر على صفا الذي ظهر بعلاقات أعمق مع الإسرائيليين، تتخطى الشراكة التجارية عبر مؤسسات عابرة للقارات.

محطات عدّة تحدثت عنها الصحيفة، تبيّن متانة العلاقة بين صفا والموساد، عن طريق رجل إسرائيلي عُرف بإسم "عاموس"، وعبره تعرّف صفا إلى "أوري لوبراني"، الذي كان في نهاية الثمانينيات منسق الأنشطة الإسرائيلية في لبنان. وجرى اللقاء في شقة صفا الواقعة في باريس.

أما صلة الوصل الأولى بين صفا والإسرائيليين، فكانت الصحافي الفرنسي روجيه أوك الذي كان صفا قد انقذه من الخطف في لبنان. ولفتت "إمكانيات" صفا في الشارع اللبناني الذي كان مليئاً بأحداث الخطف والتحرير عبر الفدية وتبادل الأسرى في خضم الحرب الأهلية، أنظار الإسرائيليين الذين وصلوا إلى صفا عبر أوك. فكان الإتفاق بين "عاموس" وأوك يقضي بأن يوصل الأخير الأول بصفا، ليساعده على كشف معلومات عن الطيار الإسرائيلي رون آراد الذي وقع في الأسر لدى حركة أمل بعد إسقاط طائرته في العام 1986، وإنتقل من يد حركة أمل إلى يد حزب الله بعد إنشقاق مجموعة مصطفى الديراني عن الحركة، وإلتحاقها بالحزب. وتفيد الصحيفة أن أوك جمع "عاموس" بصفا، بعد تلقيه وعداً من "عاموس" بمساعدته في إجراء مقابلة مع الشيخ عبد الكريم عبيد، المنتمي إلى حزب الله، والذي كانت إسرائيل تعتقله. وبعد جلسات التعارف بين أوك والإسرائيليين من جهة وصفا من جهة أخرى، أصبحت العلاقة بين صفا والإسرائيليين مباشرة، وتخطّت محاولة كشف مصير آراد لتصل إلى عمليات وصفقات حول العالم، حصل بواسطتها صفا على ملايين الدولارات.

ولم يقف صفا، وفق الصحيفة، عند حدود الإستفادة من الإسرائيليين، إذ لم يوفر فرصة إلا واستغلّها. وعلى سبيل المثال، ورد إسمه خلال التحقيقات في عملية إختفاء مبلغ مالي كبير أثناء عملية نقل أسلحة بقيمة نحو 790 مليون دولار، كانت تتم في العام 1991، بين رئيس أنغولا جوزيه أدواردوس سانتوس، وسياسيين من اليمين الفرنسي. وعُرفت هذه القضية بـ"أنغولا غيت".

وتوسعت نشاطات صفا، ولم يقف عند العمل في السفن المدنية، إذ إن المكاسب التي تحققها السفن الحربية أكبر. وعبر شركته "برايفنفست" Privinvest التي ترتبط بمشاريع مع شركات عالمية أخرى، وأهمها الشركة الإماراتية "أبوظبي مار"، تمكن صفا من دخول عالم السفن الحربية. ومن المشاريع التي ارتبط بها، دخوله وسيطاً بين السعودية وشركة "داسو" الفرنسية، التي تحاول أن تبيعَ للسعوديين طائراتها القتالية من طراز "رفائيل"، فضلاً عن التوسّط في صفقات بين ليبيا وأحواض سفن مختلفة في العالم، بالإضافة إلى التوسّط في صفقة شراء سفينتين قتاليتين لسلاح البحرية الجزائري من شركة السفن الألمانية TKMS. ناهيك بارتباط صفا بالسيطرة على شركة الاستثمارات "ترياكورب"، على حوض سفن CMN الفرنسي، وكذلك على حوض سفن "أبو ظبي مار" الذي يبني سفن "ساعر 6".

في المقابل، نفت "برايفنفست" ما ورد عن صفا. وأكدت، في بيان أرسلته إلى وسائل الإعلام وتلقّت "المدن" نسخة منه، الشركة "ليست اليوم، ولم تكن يوماً في السابق مساهمة في تيسن غروب.. وليس لديها اليوم ولم يكن لديها يوماً أي عقد يربطها بالبحرية الإسرائيلية أو بسلطة الوصاية عليها". واستغربت الشركة كيف توجه بعض وسائل الإعلام "أصابع الاتهام إلى الهولدينغ التي يرأسها صفا". واعتبرت الشركة أن "المدن" من هذه الوسائل الإعلامية، مستندة على تقرير منشور تحت عنوان "لبناني شريك في صناعة السفن الإسرائيلية؟"، علماً أن المعلومات الواردة في التقرير ليست سوى نقل ما ورد في "يديعوت أحرونوت"، وتناقلته الوسائل الإعلامية استناداً إلى التقرير العبري.

وعن تلك العلاقة، يؤكد مؤسس حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان، سماح إدريس، بأن "على الأجهزة الأمنية اللبنانية التحرك للتحقيق في هذه المسألة. فهناك قانون للمقاطعة، واسكندر صفا يفترض أن يخضع له". وفي حديث إلى "المدن" يشير إدريس إلى أن موضوع المقاطعة يتفاعل بشكل كبير لدى اللبنانيين، وأصبح هناك وعي أكبر بضرورة الكشف عن أي خرق. ويرى أن خطورة هذه المسألة ليست في عملية التعاون مع إسرائيل فحسب، بل في أن "هذا التعاون هو لحماية نفط وغاز سرقته إسرائيل أصلاً، وتريد من العرب حماية ما سرقته".

وعن المقاطعة في ظل إتساع دائرة الشركات العالمية التي تتعامل مع إسرائيل، ولديها فروع في إسرائيل ولبنان، يشرح إدريس بأن إنطلاق مفهوم مقاطعة إسرائيل منذ قيامها في العام 1948، تبدّلت معاييره بحكم الواقع، وصولاً إلى مقاطعة الشركات العالمية التي تقوم بشراء أسهم في شركات إسرائيلية، أو تنشئ شركات على أراضي المستوطنات، مثل شركة "نستلة"، أو شركة الأمن G4S.

لكن كلام إدريس، يعني أن الدولة اللبنانية نفسها تخرق قانون المقاطعة، طالما أن شركة "نستلة" مرخّصة وتعمل في لبنان.

من جهة أخرى، يمكن النظر إلى ملف العلاقة التجارية بين الشركات الإماراتية واللبنانية والألمانية، وفق ما ورد في الصحيفة العبرية، إلى أنه مدخل للترويج أكثر فأكثر للتطبيع الإقتصادي مع إسرائيل، في ظل فشل التطبيع السياسي مع من تبقّى من الدول العربية، بشكل علني. إذ ان إسرائيل قد تريد- عبر الكشف عن هذه العلاقة في هذا الوقت- التأكيد على خيار التطبيع الذي بات بحكم الواقعي، طالما أن دولاً عربية وجهات لبنانية وإيرانية قد دخلت في اللعبة التجارية بعيداً من السياسة والأيديولوجيا.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024