اللحم الثمين وسماسرة المواشي الجدد: حرب الثنائي الشيعي؟!

خضر حسان

الأربعاء 2021/03/31
يشكّل قطاع استيراد المواشي أرضاً خصبة لإنبات السماسرة الجدد، وتوسيع هامش التلاعب ومراكمة الأرباح لدى التجّار القدامى. ومَن يُناط بهم الحرص على مراقبة حركة الاستيراد والتوزيع في السوق المحلي، ليسوا سوى هيئة ناظمة للفساد ينسجم أركانها مع بعضهم البعض إذا اتّفقوا على آليات توزيع المغانم، وينشرون غسيلهم المتّسخ في حال جَنَحَ أحدهم عن المسار بغية الاستفادة وحده. على أنَّ المستهلك يدفع الثمن دائماً.

سماسرة حركيّون
لا جدال حول ارتفاع أسعار المواشي، والذي ينسحب على ارتفاع أسعار اللحوم. لكن الأسباب متعددة، أبرزها خلق سماسرة جدد لا علاقة لهم بالمستوردين المعروفين في السوق. وينتمي المتطفّلون على القطاع، إلى حركة أمل أو مِن المقرَّبين لوزير الزراعة عباس مرتضى، التابع سياسياً للحركة، وفق ما يؤكّده أحد تجار المواشي في تسجيل صوتي، ينتشر على مجموعات الواتساب.

التسجيل يؤكّد "بعد صمت طويل"، أن "الوزير لا يعطي موافقته على استيراد المواشي بالسعر المدعوم، لأي تاجر، إلا بعد تأكّده من أنه سيبيع عدداً من الأبقار إلى أحد السماسرة المحسوبين عليه وعلى الحركة". وبذلك، يصبح لزاماً على الحلقة الأدنى من التجّار، وهم أصحاب المسالخ، شراء المواشي من السماسرة الجدد، الذين يشترون الأبقار من المستوردين بسعر الدولار وفق المنصة: 3900 ليرة.

وحسب التسجيل، السماسرة يشترون المواشي المدعومة "بسعر 14 ألف ليرة للكيلو، ويبيعونه بسعر لا يقل عن 20 ألف ليرة، أي يربحون بكل كيلو نحو 6 آلاف ليرة إضافية، ويُلزَم كل من يريد شراء الأبقار من السماسرة، على قبول فاتورة تبيّن أنه استلم الأبقار بالسعر المدعوم، وإلا لا تتم عملية البيع". وليس اختلاق السماسرة كطبقة جديدة هو نقطة الخلاف الوحيدة، بل إنَّ وزارة الزراعة تغض النظر عن بعض المستوردين الذين "يعيدون تصدير الأبقار والأغنام المدعومة". وتردّ الوزارة بأن "هذه المواشي غير مدعومة، بل آتية من سوريا إلى لبنان".

لا اختصاص للزراعة
ما يظهره التسجيل ليس غريباً عن واقع الفساد الذي ينخر البلاد، وهو واقعٌ قائم منذ ما قبل انفجار الأزمة الاقتصادية والنقدية. لكن ما تقدَّم، "هو أمر غير دقيق، ولا وجود لهؤلاء السماسرة، على الأقل على حد عِلم وزارة الزراعة"، وفق ما تقوله مصادر في الوزارة، والتي تشرح في حديث لـ"المدن"، أن اختصاص وزارة الزراعة في هذا المجال "ينحصر في الأمور الإدارية فقط. فالوزارة تعطي الإذن للمستوردين للاستفادة من السعر المدعوم، ثم تتأكّد من محتوى الباخرة حين تصل إلى لبنان، وتتأكّد من مطابقة المواشي للشروط الصحية المطلوبة، وينتهي دورها ليبدأ دور وزارة الاقتصاد، التي عليها مراقبة الأسعار والتأكّد من بيع المستورد لكامل كمية المواشي التي استوردها بالسعر المدعوم. فوزارة الزراعة لا علاقة لها بالبيع والشراء".

وتكشف المصادر أن "بعض التجّار يبيعون جزءاً من المواشي بالسعر المدعوم، ويحتفظون بالجزء الآخر في مزارعهم لنحو شهر أو شهرين، ثم يصدّرونها للخارج فيحصلون على فارق السعر بالدولار الطازج. ثم أنَّ مراقبة التجاوزات من اختصاص وزارة الاقتصاد، فيما وزارة الزراعة تقف بين حدَّين، إذا لم توافق على التصدير، يرفع المصدّرون صرختهم من باب عرقلة الوزارة التصدير وحرمان المصدّرين من حقوقهم ومن لقمة عيشهم، وإذا وافقت، فهي تساهم بصورة غير مباشرة في حرمان السوق المحلي من المواشي المدعومة".

ليست وزارة الاقتصاد المسؤولة الوحيدة عن الثغرة العميقة، وإنما للجمارك والأجهزة الأمنية دور أساسي. فالجمارك تراقب المعابر على مختلف أنواعها، فيما القوى الأمنية تؤازر الوزارات والقضاء في تنفيذ الأحكام بحق المخالفين، وهذا كلّه لا يحصل بالطريقة المطلوبة.
طرف آخر له علاقة أساسية بالقضية، وهو مصرف لبنان، الذي يتأخّر في تأمين الدعم المالي المطلوب للاستيراد، وبالتالي يساهم في إحداث فوضى في قطاع الاستيراد، وفي تأجيج اللجوء إلى السمسرة والمحسوبيات لتأمين الدولار المدعوم وتمرير موافقات الاستيراد.

جيش حزب الله
فتح الملف من زاوية تورّط وزير الزراعة في الفساد وتسهيله ولادة طبقة السماسرة تلك، تولاّه "الجيش الالكتروني التابع لحزب الله، والذي يضم عدداً من تجار المواشي"، تقول المصادر. إذ أن هذه القضية فُتِحَت "من دون تقديم أي دليل ملموس على وجود هؤلاء السماسرة، والأهم على ارتباطهم بوزير الزراعة". وتستند المصادر في تسليطها الضوء على الجيش الالكتروني، إلى السجال السياسي الذي أحدثه كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله حول حركة أمل ورئيسها نبيه برّي وضلوعهم في الفساد، واضطرار الحركة وبرّي للرد على نصر الله. ولم تفلح محاولات احتواء الوضع بين الحركة والحزب من خلال اللقاءات التي جمعتهما. وأيضاً، مَرَدُّ جرُّ وزير الزراعة إلى دائرة الاستهداف السياسي، هو "عدم وجود أي ملف مشبوه في الوزارة منذ استلام مرتضى لمهامه في الوزارة، فيما انتشرت ملفات الفساد في وزارة الصحة التي يتولاها وزير تابع لحزب الله. فاعتبر الجيش الالكتروني للحزب، أن الردّ على الحركة يكون بتلطيخ صورة وزارة الزراعة ووزيرها". وفي هذا السياق، تؤكد المصادر أن "وزارة الزراعة مستعدة للقيام بدورها تجاه أي شكوى بحق أي سمسار ممَّن يتحدثون عنهم. ولذلك، يجب على مَن يدّعي وجود هؤلاء ويشير إلى علاقتهم بالوزير، أن يتقدّم إلى الوزارة ويدلي بشكواه، أو يتوجّه إلى النيابة العامة".

ارتفاع أسعار اللحوم
في زحمة تضارب الصلاحيات وانتشار الفوضى والمحسوبيات بدعم من غياب الرقابة الفعلية، تنعكس الأمور على أسعار اللحوم، فترتفع بنسبٍ لا يمكن للمستهلكين احتمالها. وهي تتزامن مع انخفاض مستمر للقدرة الشرائية لرواتب الموظفين والأجراء.

وإن كانت قضية المواشي بعيدة في اختصاصاتها وزواريبها عن مستوردي اللحوم، إلاّ أن تأثيراتها ليست بعيدة، فارتفاع أسعار اللحوم في السوق، تخفّض نسبة الطلب، فيتضرر المستوردون الذين يضطرون إلى خفض معدّل استيرادهم، والذي يتأثر بدوره في تأخير إنجاز الموافقات على الدولار المدعوم، بين وزارة الاقتصاد ومصرف لبنان. وفي النتيجة، "عدد كبير من المستوردين توقّفوا عن الاستيراد نهائياً، والبعض الآخر قلّص معدّلات استيراده، فيما ينتظر الباقون ما ستحمله الأيام والأشهر المقبلة"، على حد تعبير نقيب مصدّري ومستوردي اللحوم غابي دكرمنجيان، الذي يختصر المشهد، خلال حديث لـ"المدن"، بعبارة "وضع البلد صعب".

الملاحم بدورها أعلنت استسلامها للأمر الواقع، فهي الحلقة الأخيرة والأضعف في هذه السلسلة، إذ تنصاع للأسعار التي يحددها التجار، بدءاً من المستوردين وصولاً إلى أصحاب المسالخ وموزّعي اللحم. وكلما ارتفع سعر التسليم للملاحم، ترفع الأخيرة أسعارها، ما يضطر بعضها إلى إقفال أبوابه أحياناً، لعدم قدرته على شراء اللحم وبيعه بأسعار مرتفعة. وهنا يُعاد تسليط الضوء على غياب دور وزارة الاقتصاد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024