حزب الله إذ يعي والمصارف إذ تُصرّ

عصام الجردي

الأحد 2017/07/16

لم يكن قرار مجلس الوزراء المتصل باعادة تعيين رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان، أو اختيار بديل منه بعيداً من العيون الاميركية المعنية بالعقوبات على حزب الله. ويمكن تقييم السلوك الاميركي في الاطار المنوه عنه ضرباً من الحذاقة الاستباقية. فالادارة الاميركية التي لم تبدِ اهتماماً ذا شأن بانتخابات رئاسة الجمهورية، نتيجة تراجع لبنان في لائحة اهتماماتها الاقليمية، رصدت بعناية بعد انتخاب ميشال عون رئيساً، من سيشغل مركز حاكم مصرف لبنان كما فهمنا من مصادر مصرفية مرجعية بعد زيارة وفد جمعية المصارف واشنطن.

فوزارة الخزانة الاميركية والكونغرس كانا قلقين على احتمال أن يُصر رئيس الجمهورية المحسوب على النفوذ السياسي لحزب الله، على تعيين حاكم لمصرف لبنان يدور في الفلك نفسه. تماماً كما أصر حزب الله على انتخاب عون رئيساً للجمهورية. وقد استشعر الوفد المصرفي اللبناني ذلك القلق. وقيل إن الأمر أسهم في قرار اعادة تعيين سلامة حاكماً لمصرف لبنان مرة خامسة. علماً، أن علاقة سلامة بوزارة الخزانة الاميركية لم تكن سويةً بعد قضية المصرف اللبناني الكندي الذي توقف عن العمل، وبيع لمصرف آخر على خلفية اتهام الأول بتبييض اموال لحزب الله. مع أن عملية انتقال الحسابات من المصرف اللبناني الكندي إلى المصرف الذي اشتراه بقيت موضع تساؤلات كثيرة لدى السلطات الاميركية، أبلغتها إلى مصرف لبنان والهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الاموال واموال الارهاب.

يمكن أي مراقب لمسار العقوبات الاميركية على حزب الله أن يلحظ حصر الاهتمام الاميركي بلبنان من زاوية امتثاله للعقوبات قبل أي معطى آخر. إذ لم يصدر موقف سياسي من مصدر اميركي رفيع يتناول الوضع السياسي على غرار ما يحصل في ملف العقوبات على الحزب. فلبنان ليس على مأدبة الاقليم السياسية لو استثنينا الاهتمام بتسليح الجيش اللبناني والمساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة في هذا الاطار. مع علم الادارة الاميركية أن سياستها المشددة حيال العقوبات على حزب الله تسلط ضغطاً كبيراً على القطاع المصرفي اللبناني، خصوصاً لو توسعت العقوبات إلى كيانات اجتماعية للحزب بمفهومها الواسع. بينما تؤكد السلطات الاميركية عدم استهدافها المصارف قطاعاً. في حين لم تجزم سلباً أو ايجاباً حيال احتمال شمول العقوبات الجديدة التي يعدها الكونغرس قوى سياسية حليفة للحزب أو على مقربة منه سياسياً.

الوفد النيابي الذي زار واشنطن أيضاً ركّز خلال لقاءاته في الكونغرس على الشأن المذكور. غاص في شرح علاقات حزب الله بحلفائه "التي لا تصب في الضرورة في طاحونة واحدة". وشرح تداعيات الاحتمال على لبنان ومصارفه واقتصاده. ولم يحصل الوفد كما الوفد المصرفي على أجابات شافية عن أسئلة وهواجس. وفُهم أن السلطات الاميركية المعنية أبلغت الوفد المصرفي اللبناني أن القانون الجديد المتصل بتشديد العقوبات على حزب الله لن يسمي المصارف اللبنانية أو القطاع المصرفي اللبناني تحديداً. في اشارة حسن نية إلى عدم استهداف المصارف اللبنانية بعينها من جهة. ولو أن مغزى ذلك يبقى على سبيل "التورية" طالما أن المصارف اللبنانية والعاملة في لبنان هي المعنية بذلك في المقام الأول.

يستخلص الكثير من موقف الولايات المتحدة حيال العقوبات على حزب الله. السياسي منه بأدوات مالية. والمالي- المصرفي لأغراض سياسية- أمنية. كلاهما يجد مكانه مهجوساً بالقلق لدى مصرف لبنان والمصارف. ويبعث برسائل حمّالة أوجه إلى رئاسة الجمهورية والحكومة اللبنانية. لو صحّت هذه القراءة لبُنيت عليها الاستنتاجات الآتية:

أولاً: تعلم الولايات المتحدة أن حجم حزب الله في لبنان تعاظم في السنوات الأخيرة على خلفية تدخله العسكري في سوريا لحماية النظام. وبات شبه مقرر في سياسات لبنان الاقليمية وفي شؤون تشكل المؤسسات الدستورية وسياسة لبنان الخارجية. بعلاقته العضوية بايران التي تمده بالمال. وبخطاب الحزب السياسي "دفاعاً عن الأمة" الذي يجهر به يضعه في حلف نهائي مع طهران التي يناصبها الرئيس الاميركي دونالد ترامب العداء. وتعتقد الادارة الاميركية والكونغرس أن المال هو عصب أساسي لتمويل مشاريع الحزب وايران في لبنان. معاشات وتقديمات صحية واجتماعية وتعليمية وغيرها. وهي على يقين أن معظم تمويل الحزب يأتي نقداً من ايران. لكنها تتهم الحزب بتأسيس أعمال غير مشروعة في الخارج والداخل لا تريد إكسابها شرعية وسهولة تبادل من خلال النظامين المصرفيين اللبناني والدولي.

القرار 1701 أبعد الحزب على الورق عن حدود العدو الإسرائيلي نحو 40 كيلومتراً. تعاظم قوة حزب الله الصاروخية والخبرة التي اكتسبها في سوريا يجعلان القرار مجرد التزام ظرفي. لا تريد الادارة الاميركية التدخل عسكرياً ضد الحزب. ولم تشن إسرائيل حرباً أو قامت بعمليات أثناء احتراب العرب في ما بينهم. خلا غارات طيران محدودة على مناطق في سوريا ينتظر النظام "الوقت المناسب للرد عليها"! تضييق عصب المال هو الحرب المتاحة على الحزب في هذه المرحلة.

ثانياً: تعلم الادارة الاميركية والكونغرس تأثيرهما المحدود على انتزاع لبنان الرسمي من قبضة الحزب في الشؤون الأساسية. ومدى الأذى الذي يمكن تلحقه أي اجراءات ضد القطاع المصرفي بالاقتصاد اللبناني وبالوضع السياسي والأمني والاجتماعي. الالتباس الحاصل في نوعية العقوبات على "حزب الله" وتوسيعها الى حلفاء الحزب يقصد به على الأرجح عدم العبث في المنطقة المصرفية والمالية اللبنانية. كأن تُعهد مؤسسات عامة وفي مقدمها مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف الى مسؤولين مؤيدين "حزب الله".  وبحسب معلومات أكيدة فقد تبلع لبنان منذ سنوات تحفظات عن أسماء في قطاعات معنية شديدة الأهمية. وتلك التحفظات مازالت قائمة.

ثالثاً: أفاد رياض سلامة (وليس على وجه الحصر) من هذا الستاتيكو. وخفّف تعيينه من أعباء رئاسة الجمهورية والحكومة في مواجهة الآتي من تشريعات اميركية. وتحرر سلامة بدوره من عقدة الرئاسة "في انتظار جولة مقبلة". كل لبنان رئاسة وحكومة ومصرفاً مركزياً لن يفلحوا في تغيير بند من قانون العقوبات ضد حزب الله. فالعصمة في يد الولايات المتحدة. بديلاً من القبضة العسكرية. وتدخل في حسابات الاستراتيجيا الاميركية في المنطقة. كل ما يريده لبنان ومصرف لبنان حالياً من الكونغرس والادارة "أن أبلغونا سلفاً في حال ادرجتم أحد المصارف على لائحة العقوبات". فريقان فقط يمكنهما "اللطف" في هذا المجال. حزب الله إذ يعي حجم المخاطر على الاقتصاد والبلاد. والمصارف نفسها التي أكدت حتى الآن رفضها الضغوط السياسية والحكومية. وتمسكت بوظيفتها الائتمانية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024