أسباب البنك الدولي المريبة لتشجيع الشراكة مع القطاع الخاص

علي نور الدين

السبت 2019/03/09

تحوّل قرض الـ400 مليون دولار، الذي يقترح البنك الدولي تقديمه، إلى مادّة سجاليّة. تركّز معظم السجال على طبيعة الأنشطة، التي يقترح البنك الدولي تمويلها من خلال القرض، مثل الإنفاق على الأعمال الاستشاريّة. بينما ركّزت بعض الانتقادات الأخرى على بنود هامشيّة، وصغيرة، تتعلّق باللاجئين السوريين، لإشهار فزّاعة التوطين واستثمارها سياسيّاً.

وبمعزل عن هذا السجال، الذي يحفّزه تجاذب أقطاب الحكم على أموال القرض، لم يتم التطرّق في كل هذه النقاشات إلى بعض الغايات، التي يحاول البنك الدولي تحقيقها من خلال هذه الأموال، خصوصاً أنّ هذا النوع من القروض يتم منحه عادةً وفق أهداف اقتصاديّة مدروسة بعناية.

مجلس الخصخصة
فبينما تتوزّع أموال القرض على مشاريع وإدارات رسميّة متفرّقة، تستهدف الكتلة الأكبر من هذه الأموال المجلس الأعلى للخصخصة. فوفقاً للمشروع المحضّر للقرض، سيُخصص للمجلس وحده أكثر من 120 مليون دولار، لتمويل خدمات العلاقات العامّة، والأعمال الاستشاريّة، والرواتب، والإيجارات، وغيرها من النفقات. وهكذا، يكون أحد أبرز أهداف القرض تنشيط هذا المجلس، وإعادة دفعه إلى الواجهة من جديد، خصوصاً أن "الشراكة مع القطاع الخاص" كانت أبرز شروط مؤتمر "سيدر"، التي ينتظرها المُقرضون، وفي طليعتهم البنك الدولي. وهو الشرط الذي أعاد التذكير به – وبإلحاح- منذ أيام المسؤول عن تنفيذ مقرّرات مؤتمر "سيدر"، السفير الفرنسي بيار دوكان. كما كانت هذه الشراكة أبرز توصيات دراسة ماكينزي، التي التزمت بها الحكومة الحاليّة.

وبمعزل عن شروط مؤتمر "سيدر" وأموال القرض، يتحوّل الإلحاح على مسألة الشراكة مع القطاع الخاص في لبنان إلى مطلب "إصلاحي" سحري، يتكرّر ذكره في تقارير المؤسسات الدوليّة، وخطابات بعض المسؤولين اللبنانيين. مع العلم أنّ الشراكة مع القطاع الخاص، ليست سوى تلزيم قطاعات أو مؤسسات أو منشآت عامّة للقطاع الخاص، لإدارتها أو تشغيلها أو بنائها أو غيره، ولمدّة محدّدة. وبالتالي، فلبنان يملك أساساً خبرته الطويلة -والمرّة- في هذا المجال، من عقود تلزيم النفايات، وجباية وصيانة الكهرباء، والسوق الحرّة في المطار، والخليوي وغيرها.. وصولاً إلى بواخر إنتاج الكهرباء، الماثلة أمام اللبنانيين اليوم على الشاطىء. وهذه لم تكن سوى العقود التي أنتجت لنا الخدمات الأغلى من حيث الثمن، والأسوأ من ناحية النوعيّة. وعلى ما يبدو، فقطاعي الماء والصرف الصحّي يقفان اليوم في طليعة القطاعات المرشّحة للإنضمام إلى هذه اللائحة من القطاعات، المؤلمة بكلفتها ورداءة نوعيّة خدماتها.

تجارب فاشلة ومكلفة
بالتأكيد تختلف هذه العقود بنوعيّتها وإنتاجيّتها ونزاهتها بين الدول. لكنّ تلزيم القطاعات العامّة، وفق عقود احتكاريّة لصالح القطاع الخاص، عادةً ما يكون بالغ الخطورة في حالة الدول التي تعاني من ضعف في الشفافيّة، في هذا النوع من استدراج العروض والتلزيم. وهو ما دفع لبنان ثمنه غالياً في قطاعات عديدة في الماضي. والأهم، أن مراقبة تطبيق هذه العقود، وضمان عدم تحوّلها إلى عبء على الدولة والمجتمع، يتطلّب وجود آليّات مراقبة ومحاسبة متطوّرة ودقيقة. وهو ما لا يتوفّر حكماً في حالة الدولة اللبنانيّة.

وبمعزل عن المشاكل المرتبطة بالحالة اللبنانيّة تحديداً، يبدو من الغريب أن تتجه بعض الدول المُقرضة في مؤتمر "سيدر" إلى الدفع باتجاه مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، مع العلم أنّها بدأت تتلمّس في بلدانها مشاكل هذا النوع من المشاريع، وتقلّص من حجمها. ففي فرنسا مثلاً، ثمّة جدل كبير حول عقود الشراكة التي تمّ توقيعها في الماضي، والتي تبيّن أنّها كلّفت الدولة والمجتمع، عبر السنوات، أكثر من النماذج التي قامت الدولة بتنفيذ وإدارة المشاريع بنفسها. وهذا بالضبط ما أشار إليه تقرير صندوق النقد حول هذه الشراكات، عندما تحدّث عن النفقات الإضافيّة، الناتجة عن رصد الشريك الخاص على مدى سنوات طويلة، وعقد المفاوضات المتكرّرة معه ومتابعة المشاريع، بالإضافة إلى كون العائد المدفوع للشريك الخاص أعلى دائماً من فوائد الديون الحكوميّة، التي تحتاجها الدولة للقيام بالمشاريع بنفسها.

للنقاش العلمي
لطالما مثّلت سياسات الخصخصة، والشراكة مع القطاع الخاص، أبرز أهداف تدخّلات البنك الدولي، عند توفير الدعم للدول التي تعاني من مشاكل اقتصاديّة عميقة. ومن الواضح أنّ حجم التمويل الممنوح إلى المجلس الأعلى للخصخصة، يعني بوضوح تركيز البنك الدولي على هذا النوع من السياسات للبنان، في المرحلة المقبلة. ولذلك، لبنان بحاجة اليوم إلى فتح الموضوع في دائرة النقاش العلمي، لتحديد المخاطر والمنافع المرتبطة بهذه السياسة في كل قطاع، قبل الارتباط بقرارات قد لا تكون في صالح الدولة أو المجتمع اللبناني.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024