باسيل يلوّح بتفجير مشروع الموازنة: الأمر لي

خضر حسان

الأربعاء 2019/05/15
بات واضحاً أن وزير الخارجية جبران باسيل يتصرّف في هذه الجمهورية وكأنها بيته الخاص، يحدد ما يصحّ وما لا يصحّ فيها، وفقاً لمصلحته، التي لا تنسجم مع القوانين أو حتّى الأعراف المعتمدة بين القوى السياسية.

نفوذ رئيس التيار الوطني الحر بلغ حد توجيه قرارات الحكومة كما يشاء. كيف لا وهو المطمئن إلى دعم حزب الله بقدسية المقاومة، حين طوّب الحزب باسيل "وزيراً مقاوماً". وهي صفة كافية لجعله قدّيساً لا يصحّ فيه الانتقاد. وأيضاً، مطمئن لدعم رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه الاقتصادي، الذي لا يترك مناسبة إلاّ ويتهجم فيها على الدولة ومؤسساتها، وما تمثّله من ركيزة للكيان السياسي والاقتصادي، وركيزة للأمن الاجتماعي، بغض النظر عن حجم الفساد والتوظيف السياسي في القطاع العام، والذي يعود إلى سوء إدارة هذا القطاع، بصورة مقصودة من قِبَل الحكومات المتعاقبة، التي كان تيار المستقبل والهيئات الاقتصادية أصحاب الكلمة الفصل فيها، إذ كانت لهم رئاسة الحكومة ووزارة المال.

اتّساع رقعة الأزمة
كان باسيل السبّاق الى اقتراح تخفيض رواتب موظفي القطاع العام، حين دعا في تشرين الثاني 2018 الى إستنساخ التجربة الصربية وإيقاف "الترف" الذي تنعّمت الدولة به على موظفيها. ولاحقاً امتلك جرأة الإعلان عن نية السلطة السياسية خفض الرواتب والتقديمات، حين كانت كل القوى السياسية محرجة من إعلان ما اتفق عليه الجميع سرّاً، حتى وإن اختلفت القوى في وجهات النظر حول شكل وماهيّة التخفيض. 

غير أن تحركات المتضررين، رغم أنها لا تعبّر عن المستوى المطلوب، بالإضافة إلى اختلاف وجهات النظر بين أقطاب السلطة نفسها، أخّر البت بالتخفيضات بالتوازي مع تأخّر البت بمشروع موازنة العام 2019، إذ أشار وزير الإعلام جمال الجراح قبيل جلسة الحكومة يوم الثلاثاء 14 أيار، إلى أن "إمكانية الانتهاء اليوم (من مناقشة مشروع الموزانة) صفر على عشرة".

وكان وزير المال علي حسن خليل قد أكّد أنه "لا توجد أي إشكالات أمام الوصول إلى صيغة نهائية للموازنة، تؤدي الغاية المرجوة منها، وعلى وجه الخصوص تخفيض العجز الذي يُعد خطوة أساسية لا بدّ من حصولها". لكن في الوقت عينه، أوضَح أن الوصول إلى الخواتيم "قد يتطلب الأمر عقد جلسات إضافية حتى يوم الجمعة المقبل".
إطالة الوقت ليس دليل عافية بالنسبة الى إقرار الموازنة. فالخلاف جوهري بين أقطاب السلطة وداخل كل حزب وتيار حول تأييد أو رفض المس بالرواتب. والخلاف ليس سرّاً بل يُقال في الإعلام والشارع، حسب مصلحة كل وزير أو نائب. وليس موقف بعض النواب الذين كانوا ضبّاطاً في المؤسسة العسكرية، سوى دليل على ذلك.
ناهيك عن تعارض المصالح بين حركة أمل وحزب الله، لأن الأخير فضّل الوقوف إلى جانب باسيل في الموقف الاستراتيجي، مع الاحتفاظ بمساحة تكتيكية توحي للجمهور بأن الحزب يبتغي مصلحة الموظفين والفئات الفقيرة.
وما تقدّم يوحي بأن الأزمة فُتِحَت، وليس سهلاً تحديد موعد إقفالها، بل حتى التحكّم بمسارها ونتائجها.

زرع الألغام
إذا كان باسيل هو عرّاب مشروع تخفيض رواتب موظفي القطاع العام، إلاّ أنه احتفظ لنفسه بإمكانية نسف المشروع برمّته، ما لم يُعجبه مسار مشروع الموازنة، أو حتى إذا ما عكّر أحدهم مزاجه. 

وكانعكاسٍ لحجم سيطرته ونفوذه، لم يجد باسيل حرجاً في إعلان عدم موافقته على كل الموازنة المطروحة. ما يعني بأن ما قامت به وزارة المال ووزيرها، وكل نقاشات الوزراء، معرّض للضياع وللبحث عن وقت إضافي لإعداد مشروع موازنة يتلاءم مع إرشادات باسيل.
لم يكن موقف وزير الخارجية مفاجئاً، لأنه لم يكن وليد اللحظة، بل استُبِقَ بمؤشرات تدل من يتبعها إلى الخراب الملوَّح به. ففي 6 أيار صرّح النائب إبراهيم كنعان بأنه "لا صفة تقريرية او نهائية لإقرار الموازنة في الحكومة، فالبت يتم في المجلس النيابي، حيث سنستمع لكل القوى وللحكومة والوزارء والنقابات وكل الناس". ثم ذكّر يوم الثلاثاء 14 أيار بأن "قطوعات الحسابات المنتظرة منذ 22 سنة، وليس قطع الحساب - بحسب المادة 65 من موازنة 2018- لم تحملها بعد "السلحفاة" إلى المجلس النيابي".
أي ان موازنة وزارة المال تنتظرها عرقلة في مجلس النواب، ما لم يُقر الجميع بالعهد الباسيلي الجديد.

إلغاء الدولة
عَرَفت إدارات الدولة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، مختلف أنواع التدخلات السياسية والتوظيفات العشوائية والهدر والفساد ونهب المال العام، لكنها لم تشهد قراراً بتدمير مؤسسات الدولة واختصار عمل الإدارة بشخص الوزير، إلاّ في هذا "العهد". فمع تغلغل التيار الوطني الحر في اللعبة السياسية، وتثبيت قدمه في الوزارات والإدارات الرسمية، بات الوزير هو الحاكم بأمره في الوزارات، واستُعيض عن السلك الإداري للمشاريع العامة لصالح مسالك خاصة أهمّها "المركز اللبناني لحفظ الطاقة" على سبيل المثال لا الحصر، إلى جانب خلق جيش من المستشارين المرتبطين مباشرة بالوزير ولا يخضعون لرقابة أجهزة التفتيش الإدارية، لأنهم ليسوا موظفين في الإدارة العامة، لكن قراراتهم التي تُضفي صفة علمية على رغبات الوزير، باتت أقوى من القوانين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024