بدعة تسوية الغرامات: الدولة تحمي كبار المخالفين

خضر حسان

الخميس 2019/04/04
تفرض الدولة الضرائب. تتخلّف عن دفعها بعض الشركات. يترتّب عن التخلّف غرامات. فتقوم الدولة بإجراء تخفيضات على الغرامات، لتخسر بذلك أموالاً تحتاجها، في ظل وضع اقتصادي صعب، تبحث خلاله عن توفير كل قرشٍ.. هذه هي بدعة قانون تسوية غرامات التحقق، المفروضة بموجب قوانين ضريبة الدخل والأملاك المبنية والضرائب، والرسوم غير المباشرة، والضريبة على القيمة المضافة، أو المفروضة بموجب النصوص المعدلة لقانون الإجراءات الضريبية.

أعوامٌ من الهدر
تعرّض وزير المال، علي حسن خليل، لانتقادات تتمحور حول إحالته إلى مجلس الوزراء، اقتراح إعفاءات من الغرامات، التي تفوق قيمتها مليار ليرة. ما يوحي بأنه هو من يريد إقرار الإعفاءات. فأوضح خليل أن ما أحيل هو طلبٌ يحث مجلس الوزراء، خلال جلسته يوم الخميس 4 نيسان، على البت بطلبات الإعفاءات، وذلك إنفاذاً للمادة الثالثة من القانون رقم 662. 

وأشار الوزير إلى أن الإسراع في البت، وتحديد نسب الإعفاءات، يُفضي إلى تحصيل إيرادات تُحرَم منها الخزينة العامة منذ العام 2008. لأن الحكومة لم تبت الملف منذ 11 عاماً، الأمر الذي يمنع وزارة المال من التحصيل الجبري. فالمكلَّفون بدفع الغرامات لا يعرفون نسبة ما عليهم دفعه. والمسألة لا تتوقف عند دفع الغرامات او أجزاء منها، بل تتجاوز ذلك إلى تحصيل الدولة مستحقاتها لقاء تسجيل العقارات، وما إلى ذلك من رسوم قد يدفعها المكلّفون.

ولتبسيط المسألة، شرَح خليل أن "الأشخاص الذين يتعاملون مع "سوليدير" لا نستطيع تسجيل عقاراتهم، أو نستحصل على رسوم منهم، لوجود مشكلة مع سوليدير". وعندما تقر الحكومة مثلاً، عدم موافقتها على الإعفاءات، يصبح بإمكان وزارة المال تحصيل مستحقاتها جبرياً.

والمثير للجدل، أن إطالة أمد الامتناع عن بت الملف، يؤدي إلى زيادة عدد الشركات غير القادرة على دفع غراماتها، ويؤدي أيضاً إلى زيادة حجم الغرامات، فترتفع أعداد الغرامات التي تزيد نسبتها عن مليار ليرة، ويرتفع عدد الطلبات التي تحتاج إلى قرار الحكومة. ما يعني أن الدائرة المفرغة تزداد اتساعاً مع كل تأجيل، ويزداد معها هدر المال العام.

من المستفيد؟
قد يكون مبرّراً، وضرورياً أحياناً، أن تقوم البلديات بإعفاء المواطنين من الغرامات المترتّبة عن تأخّرهم بدفع مستحقاتهم. ففي الغالب، معظم المتأخّرين هم من متوسطي ومحدودي الدخل، الذين يتأخرون عن الدفع، بسبب عدم توفّر المال، فتلجأ البلديات إلى إعفائهم من الغرامات، بغية تحصيل أكبر قدر من الإيرادات.

لكن من غير المبرّر أن تلجأ السلطة التشريعية إلى إصدار قوانين تُراعي حالَ كبار التجار وكبار أصحاب العقارات، وبعضهم من محتلّي الأملاك العامة، عن طريق إعفائهم من الغرامات المترتبة عن تهرّبهم من دفع الضريبة. فبدل تكبيدهم غرامات مضاعفة نتيجة التهرّب، تلجأ السلطة التشريعية إلى حماية مصالح هؤلاء بصورة قانونية. ومن غير المبرر أن لا تُطبّق الحكومة القانون، بوصفها سلطة إجرائية، فتساعد بذلك المخالفين.

المساعدة الآتية من السلطتين التشريعية والتنفيذية لم تقف عند هذا الحد. فبالتوازي مع ملف الإعفاءات، يرفض التيار الوطني الحر وتيار المستقبل إلغاء قانون الإجراءات الضريبية رقم 44، الذي ينص على سقوط الضريبة غير المسددة الصادرة بموجب جداول تكليف، أو المصرّح عنها، بعد مرور أربع سنوات على عدم تحصيلها. حتى أن التيارين رفضا في العام 2017 اقتراحاً يقضي برفع المدّة الزمنية إلى 7 سنوات، كي يصبح أمام الدولة متسعاً من الوقت للتحصيل. وبرّر النائب إبراهيم كنعان الرفض، بالقول أن مسؤولية التحصيل ضمن المهلة المقانونية تقع على عاتق الإدارة، لا على عاتق الذين صرّحوا عن أرباحهم وينتظرون تحصيل الضريبة. وفي المحصّلة، رسى تصويت الهيئة العامة لمجلس النواب على تمديد المهلة إلى خمس سنوات، رغم معارضة حركة أمل وحزب الله لفكرة سقوط الضريبة بمرور الزمن.

والجدير بالذكر، أن النائب حسن فضل الله، سأل وزير المال عن سبب عدم تقديم لوائح بأسماء الشركات والأشخاص المستفيدين من هذا الإجراء، لكن أي إجابة في هذا الإطار، لم تأتِ بعد.
وعليه، تشرّع الدولة خسارة خزينتها لعائدات التحصيل الضريبي من المصرّحين عنها، ولاحقاً لعائدات الغرامات المفروضة على المتهرّبين من التصريح.

بابٌ إضافي للسمسرة
الإعفاءات من الغرامات، تفتح باباً للسمسرة على حساب المال العام، خصوصاً وأن الإعفاءات تتعلق بالمبالغ التي تفوق مليار ليرة. إذ هنا تكمن الزبدة، لأن فكرة الإحالة إلى مجلس الوزراء، يُقصد منها المماطلة أولاً، وإتاحة الفرصة أمام بعض الموظفين والنافذين، لتحصيل أموال جانبية لمصلحتهم ومصلحة تياراتهم وأحزابهم السياسية.

وتشير مصادر في ديوان المحاسبة، خلال حديث لـ"المدن"، إلى وجود "غرامات فادحة في الـTVA، وهي مبالغ مرتفعة جداً وغير محصّلة حتى الآن". وترى المصادر أن "المكلّفين بدفع المليارات، يستفيدون من مسألة الإعفاءات والمماطلة ببتّها، لدفع رشىً بملايين الدولارات، لقاء المزيد من المماطلة أو لقاء بتّ إعفاءات بنسب عالية". وتستغرب المصادر وجود مثل هذا المنفذ القانوني، "فإذا أرادت الدولة إعفاء المكلفين من الغرامات، فلماذا فرضتها في الأصل؟".

والمعضلة الأكبر تكمن في تراخي المعارضين، الذين لا يحملون هذا الملف بجديّة، كما يحملون ملفات يُقصد منها شن حروب مباشرة ضد بعض القوى السياسية، بل يكتفي المعارضون بتسجيل اعتراضاتهم داخل الجلسات المغلقة، وفي أحسن الأحوال، ضمن تصريح أو بيان، لتنام القضية بعد ذلك. فالجديّة في هذا الملف تنطلق من فتحه باستمرار أمام الرأي العام، واستكمال ذلك في جلسات مجلسيّ النواب والوزراء.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024