هل تريد قرضاً؟.. المصارف تبحث عن زبائن

علي نور الدين

الخميس 2017/08/10
ليس جديداً اهتمام المصارف اللبنانيّة بالإعلان بكل الوسائل الممكنة عن آخر عروضها ومنتجاتها. لكنّ الجديد، منذ منتصف العام 2016، هو تكثيف المصارف الحملات الإعلانيّة، حتّى تحوّل الأمر الى ما يشبه السباق المصرفي على كل المساحات الإعلانيّة.

الأهم، هو سعي تلك الإعلانات الى جذب الاهتمام والانتباه في إعلاناتها، بمعزل عن دقّة المعلومات التي تسعى المصارف إلى تسويقها. فراجت مثلاً منذ فترة مجموعة إعلانات لأكثر من مصرف تتحدّث عن قروض سكنيّة بصفر فائدة، واحتلّت حيّزاً واسعاً من اهتمام المواطنين الساعين الى تملّك مسكن.

وسرعان ما تبيّن أن القروض المعنيّة تتضمّن شروطاً مثل تجميد وديعة لدى البنك من دون فوائد تمثّل نسبة من القرض. وهي عمليّة تعوّض للبنك قيمة الفوائد وأكثر، وتكلّف العميل أكثر من القروض المشابهة، من خلال العوائد للمصرف من استثمار الوديعة المرهونة، خصوصاً أن فوائد القروض هذه مدعومة أساساً من مصرف لبنان.

وتركّز الإعلانات في كثير من جوانبها على عامل الحاجة الملحّة. فيتحدّث عامر دمشقيّة إلى "المدن" عن إعلان مصرفي جذبه في الماضي، مخصّص للأهل على أبواب موسم المدارس بفائدة 5% ولمدّة 12 شهراً. وسرعان ما اكتشف عامر أنّ هناك أكلافاً غير مذكورة في الإعلان من كلفة فتح ملف وعمولة على كل دفعة من القرض وغيرهما. ما جعل كلفة القرض أضعاف 5% المذكورة في الإعلان.

لكنّ مشكلة عامر تبدو أبسط من بعض اللوحات الإعلانيّة الأخرى، التي تسوّق قيمة المبلغ الذي سيستفيد منه العميل والدفعة الشهريّة، من دون ذكر واضح للقيمة الكليّة التي سيقوم بدفعها أو نسبة الفائدة الحقيقيّة للقرض.

يبدو للمراقب أنّ تكثيف الإعلانات، والسباق الى نيل انتباه المقترض المحتمل بشتّى الوسائل، كلّها أعراض عوامل ضاغطة في البيئة الماليّة للمصارف اللبنانيّة باتجاه توظيف فوائضها الماليّة بكل الطرق الممكنة. فالهندسات الماليّة التي قام بها مصرف لبنان خلال العام 2016 استبدلت كميّات من النقد بالعملات الأجنبيّة في المصارف بالعملة المحليّة.

هكذا، خلق هذا الواقع حاجة ملحّة للمصارف اللبنانيّة الى توظيف السيولة المستجدّة بالعملة اللبنانيّة في توظيفات جديدة، بينها عروضات جديدة في القروض السكنيّة والشخصيّة والبطاقات وغيرها. حتّى أن بعض المصارف اللبنانيّة استحدثت منذ فترة أقساماً جديدة تُعنى بتسويق منتجات تسليفيّة جديدة خاصّة بالشركات. مع العلم أنّ وجود فائض سيولة من دون توظيف يعد عامل خسارة في قطاع تتسابق فيه المصارف على صعيد نسب الأرباح وأحجامها.

وقد تنبّأ صندوق النقد الدولي بهذا الواقع في تقريره "تقويم استقرار النظام المالي"، الذي صدر في بداية العام 2017، حين ذكر أنّ الهندسات الماليّة أدّت الى "ضخ كمية معتبرة من السيولة في يد المصارف بالليرة اللبنانية توازي ثلث الناتج المحلي. وقلصت بشكل كبير السيولة بالدولار الموجودة لدى المصارف".

يُضاف إلى هذه العوامل سعي المصارف المستمر الى تقليص نسبة أصولها الموظّفة في الدين السيادي اللبناني من إجمالي أصولها، من خلال التوظيف في قروض مختلفة بديلة. ويكتسب هذا المسعى أهميّة متزايدة، خصوصاً أن وكالات التصنيف العالميّة تربط في جميع تقاريرها بين تصنيف المصارف اللبنانيّة وارتباط مخاطرها بمخاطر الدين السيادي.

وقد أشار الى هذا النوع من المخاطر تقرير البنك الدولي تحت عنوان "نداؤنا إليكم"، الذي صدر في نيسان 2017، حيث ذكر أنّ "المصارف التجاريّة تعاني أساساً من انكشاف مرتفع لمخاطر الدين السيادي. إذ تشكّل هذه المصارف أحد أهم مصادر تمويل الدين. وقد ازداد انكشاف المصارف الى هذا النوع من المخاطر، خصوصاً الدين العام بالعملة الأجنبيّة، بفعل الهندسات الماليّة لمصرف لبنان".

يضيف التقرير: "وبينما ارتفعت نسبة انكشاف المصارف الى الدين السيادي بـ2.2 نقطة مئويّة (لتصبح 60.7% لغاية كانون الثاني 2017)، ارتفعت نسبة انكشافها بالعملة الأجنبيّة بـ15.5 نقطة مئويّة دفعة واحدة، لتصبح 45.6%".

هكذا، تتراكم الأسباب التي تدفع القطاع المصرفي الى السعي الى تسويق منتجاته التسليفيّة بكل الوسائل الممكنة. فبينما يستمر القطاع المصرفي في مراكمة الودائع (رغم انخفاض نسبة زيادتها)، تتزايد الضغوط في اتجاه ايجاد فرص إضافيّة لتوظيف هذه الأصول على شكل قروض للقطاع الخاص. وتأتي بعدها العوامل الضاغطة في البيئة الماليّة جرّاء الهندسات الماليّة وتزايد مخاطر الدين العام، لتضيف دفعاً إضافيّاً بهذا الاتجاه.

يبقى السؤال بشأن دور مصرف لبنان والجهات الرقابيّة في فرض معايير واضحة على الأنشطة الإعلانيّة للمصارف اللبنانيّة، حمايةً للمستهلك ولسمعة القطاع في آنٍ معاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024