شراء سندات الخزينة: الحل السحري فقد جاذبيته؟

خضر حسان

الثلاثاء 2019/09/10
يحاول لبنان تخطي أزمته الاقتصادية والمالية، عبر سلسلة من الإجراءات التي لم تفلح حتى الساعة برفع الخطر. فالاقتصاد المأزوم لم يعد المعضلة الوحيدة التي تواجهها الحكومة مع بروز معضلة أصعب، وهي بدء انخفاض احتياطي العملات الأجنبية، وسط تراجع ثقة المستثمرين والخوف من عدم قدرة البلاد على الإيفاء بمستحقاتها.

تراجع الجاذبية
مع كل حاجة للعملات الأجنبية، كان يتم اللجوء إلى الحل الأسرع والأسهل، وهو طرح سندات خزينة للاكتتاب، فيسارع المستثمرون والمصارف إلى الاكتتاب لرفد الخزينة بالعملة الأجنبية. غير أنه مع النتائج السلبية التي حققها الاقتصاد، والوضع الحالي للمالية العامة، لم تعد سندات الخزينة هي الحل الأنجح، لأن فوائد الاستثمار فيها أصبحت منخفضة. وهناك علامات استفهام حول قدرة الدولة على سداد قيمة تلك السندات. ومن هنا، جاء تحذير صندوق النقد الدولي للمصارف اللبنانية من شراء سندات الخزينة بفائدة 1 بالمئة. فقد اعتبر الصندوق في شهر تموز الماضي أن "شراء السندات المنخفضة الفائدة سيؤدي إلى تدهور ميزانية مصرف لبنان وتقويض مصداقيته. وعلى مصرف لبنان المركزي أن يتراجع عن شراء السندات الحكومية".

وكان لبنان قد وصل إلى هذه الخلاصة بعد أن شكّلت سندات الخزينة لسنوات الحصن الآمن للمصارف التجارية والمستثمرين، بفضل فوائدها المرتفعة، وضمان تسديد لبنان لمستحقاته. لذلك كانت السندات هي المدخل الأبرز لمساعدة بعض الدول للبنان، وفي الوقت عينه مدخلاً لتحقيقها أرباحاً مرتفعة ومضمونة، بالتوازي مع المساعدة التلقائية التي تعكسها عملية الاستثمار.

البحث عن حل
لا يملك لبنان آليات اقتصادية ومالية قادرة على إحداث فارق ملموس وسريع، على المستويين الاقتصادي والمالي، إلاّ سندات الخزينة. لكن لكي تستعيد السندات بريقها وقدرتها على جذب الأموال، على وزارة المالية ومصرف لبنان التعاون لوضع آلية جاذبة نحو سندات الخزينة. آلية قادرة على إقناع صندوق النقد بإصدار توصية للمصارف (وبالتالي كل المستثمرين) بالاكتتاب بسندات الخزينة. فتوصيات الصندوق تشكّل مؤشراً للمصارف، وإن لم تكن التوصيات إلزامية.

وفي خضم البحث عن الآليات، جرى في الأوساط الإعلامية الاقتصادية تداول معلومات تفيد باستثمار مؤسسات أجنبية مبالغ مالية تقارب 5 مليارات دولار في سندات الخزينة، ليتبين لاحقاً أنها مجرد شائعات، وهو ما يؤكده رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، الذي يشير في حديث لـ"المدن"، إلى أن "إصدار سندات جديدة لم يحن أوانه بعد. كما أن المصارف لم تتبلّغ أي قرار حول سندات خزينة بفوائد مرتفعة". ويلفت غبريل النظر إلى أن "المصارف ما زالت على موقفها الثابت تجاه عدم الاكتتاب في السندات ذات الفوائد المنخفضة. وموقف المصارف تجاه أي إصدار جديد يمكن تحديده على ضوء ما يقرره وزير المالية علي حسن خليل، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة".

الشائعات وموقف المصارف الحذر من سندات الخزينة، يفترض بالحكومة تلقّيها على أنها صفارة إنذار، تستدعي العمل السريع والمجدي والمتكامل بين محاولة إستقطاب الودائع لصالح مصرف لبنان وتحفيز الاستثمار في سندات الخزينة، إلى جانب تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية حقيقية تجنّب لبنان تداعيات سلبية إضافية هو بالغنى عنها. وتعرف السلطة السياسية معنى تلك التداعيات، وتعمل على تجنبها، لكن بوتيرة بطيئة وغير فعالة، تحكمها اللعبة السياسية.

وبعيداً من السياسة، يحاول وزير المالية علي حسن خليل خلق جو من التفاؤل، عبر بحثه موضوع سندات الخزينة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وبالتوازي، بحث موضوع موازنة العام 2020 والإصلاحات المرتبطة بها، مع رئيس الحكومة سعد الحريري. ويبقى أن تسجل الأيام القليلة المقبلة أولى بوادر الحلحلة تجاه السندات والموازنة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024