بواخر الفيول.. أزمة تمويل قد تتحول إلى أزمة تقنين

خضر حسان

الثلاثاء 2018/11/06

إرتبطت كلمة بواخر، بوجود أزمات تتعلق بتأمين كلفتها، وبمعدّل التغذية بالتيار الكهربائي. وبعد الباخرتين فاطمة غول وأورهان بيه، وبعدهما الباخرة إسراء، تتكشّف مؤخراً أزمة بواخر الفيول التي يحتاجها لبنان لضمان مد المعامل وباخرتي الطاقة بالفيول اللازم للإنتاج.
تشتري مؤسسة كهرباء لبنان الفيول عن طريق أموال تدفعها وزارة المال. أي أن المؤسسة لا تملك مالاً لتدفعه مباشرة الى شركات الفيول، وإنما تسجّل وزارة المال ثمن الفيول كسلفة ودين على المؤسسة. ومن هنا تبدأ الأزمة.


الغطاء القانوني
إستنفدت مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 2100 مليار ليرة كانت قد سُجّلت عليها في موازنة العام 2018، كثمن للفيول. وإحتاجت اليوم سلفة أخرى بقيمة 642 مليار ليرة لشراء فيول جديد، وإلا سيواجه لبنان خطر توقف المعامل والباخرتين عن تأمين الكهرباء. وقد لحظ عدد من المناطق خفض ساعات التغذية، لأن المؤسسة بدأت بتخفيض الإنتاج لترشيد إستهلاك الفيول. وهو إجراء كان يفترض أن تقوم به المؤسسة تباعاً على مدار العام، لا أن تنفّذه على نحو فجائي ينعكس سلباً على المواطنين. وكان يفترض بالمؤسسة عدم هدر فيول إضافي على الباخرة إسراء التي لم تعطِ النتيجة التي كانت مرجوة منها. ومع ذلك، أكد وزير الطاقة سيزار أبي خليل ان "بواخر الفيول ستفرغ حمولاتها ابتداءً من اليوم (الإثنين 5 تشرين الثاني) ولن يكون هناك قطع للكهرباء".


السلفة الجديدة التي تحتاجها المؤسسة تستوجب غطاءً قانونياً. والغطاء يكون مرسوماً إذا كانت مدة السلفة سنة واحدة كحد أقصى، وهذا المرسوم يُبنى على إقتراح من وزير المال، الذي يتحقق من قدرة المؤسسة على سد السلفة. أما إذا كانت مدة السلفة أكثر من سنة، فيفترض أن يكون الغطاء قانوناً يصدر عن مجلس النواب. وبما أن وزير المال علي حسن خليل غير قادر على تأكيد إمكانية المؤسسة سد السلفة، ذهب الملف إلى مجلس النواب، وسيطرح في الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، يومي الإثنين والثلاثاء في 12 و13 تشرين الثاني.


تبرؤ الوزير
مسار إيجاد صيغة قانونية لتشريع السلفة، تشوبه مخالفات، كما أنه يُبرِز حجم الخلل في تسيير السلطة السياسية لإدارات الدولة ومؤسساتها. وتشريع السلفة، سواء كان بمرسوم أو بقانون، يخالف آلية عقد النفقات في قانون المحاسبة العمومية، حيث تنص المادة 57 من القانون، على أن لا تعقد النفقة إلا إذا توفّر لها إعتماد في الموازنة، ولا يجوز استعمال الاعتماد لغير الغاية التي رصد لأجلها. وفي حالة السلفة، لا يتوفر إعتماد في الموازنة لعقد نفقة شراء الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، لأن الحكومة كانت قد أخرجت المؤسسة من حسابات الموازنة العامة للعام 2018، تماشياً مع مبدأ تخفيض عجز الموازنة قبل الذهاب إلى مؤتمر سيدر. وعليه، لا يجدر بمجلس النواب تشريع صرف سلفة، ليس أمام وزارة المال وسيلة لإستعادتها، فعلى المجلس تحمّل مسؤولية حماية المال العام، خصوصا وأنه لا يمكن لأحد الادعاء أمام مجلس النواب بضمان تسديد السلفة بقانون وتحمل مسؤولية تلك السلفة. ولعلّ وزير المال قد دفع بالملف إلى مجلس النواب، لتوقعاته المسبقة بأن المجلس لن يوافق على السلفة. بذلك، يكون الوزير قد تحاشى تهمة عرقلة شراء الفيول من قبل وزارة الطاقة، الوصيّة على مؤسسة الكهرباء.


في السياق عينه، لا يمكن لمجلس النواب أو الحكومة الضغط على مؤسسة الكهرباء لدفع السلفة لاحقاً، ذلك أنّ المؤسسة لن تستلم أموالاً من وزارة المال، ما يعني أنها لن تعترف بها كدين عليها. فضلاً عن أن المؤسسة تعيش في عجزٍ يقارب 35 مليار دولار، وكل موجوداتها لا تساوي هذا المبلغ. وفي حال إقرار السلفة، ستتحول قيمتها إلى دين جديد، ستحتاج المؤسسة إلى الاقتراض لتسديده، أي أن الدولة فعلياً ستقترض لسده، وهو ما يُعتبر إلتفافاً على ما تعهّدت به الدولة في مؤتمر سيدر، في ما يخص وقف الدعم عن قطاع الكهرباء. ومراكمة المزيد من الديون على المؤسسة، يهدف إلى إغراقها تمهيداً لبيعها أو استبدالها بمشاريع تنفذها الشركات الخاصة.


إذا كان إقرار السلفة بالشكل المطروح، مخالف للقانون. وفي حال عدم إقرارها لا يمكن شراء الفيول لمتابعة إنتاج الكهرباء. فما العمل؟. كخطوة أولى ستقوم شركة سوناتراك الجزائرية بتفريغ الفيول اللازم، على ان يتم الدفع لها لاحقاً. وقد تعهّد رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل بمعالجة الوضع القانوني لتأمين المال.


تخدير الجمهور
يبدو أن السلطة السياسية في مأزق لا يمكن للوضع المالي للدولة أن يخرجها منه. ولا يمكن لهذه السلطة المراهنة على الاقتراض من مجتمع دولي ينتظر تخلّي الدولة اللبنانية عن مؤسسة الكهرباء. وبالتالي ليس أمام السلطة ما تقوم به سوى إقناع جمهورها أنها ستحل الأزمة، عبر لعبة ترتيب دين وتمويهه، ومعه تمويه الإبتزاز السياسي الحاصل بين أقطابها، حيث يعمد فريق إلى الضغط على فريق آخر ليوافق على مشاريعه، في مختلف القطاعات، وحين يستحق موعد سداد الديون المتراكمة حسب المشاريع، تتقاذف أقطاب السلطة المسؤوليات وتبحث في آلية أخرى لتخدير جمهورها، وهكذا تستمر اللعبة.


وفي النتيجة، يتحمّل المواطن تبعات المخالفات وهدر المال العام، عبر الغرق بتقنين كهربائي، ودفع أكلاف إضافية للمولدات الخاصة، ناهيك عن الرزوح تحت ثقل الدين العام الذي يكبّل البلاد بكل قطاعاتها الإنتاجية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024