المصارف بموظفيها تهاجم وزني: لسنا لقمة سائغة

المدن - اقتصاد

الأحد 2020/05/17
تشهد العلاقة بين المصارف والحكومة توتّرات، تنخفض حدّتها حيناً وترتفع أحياناً. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى توجّه الحكومة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتقليص عدد المصارف، وهو ما يثير غضب المصارف التي تدافع عن نفسها من زوايا مختلفة، تارة عبر التذكير بما قدّمته من خدمات للدولة والاقتصاد، وتارة أخرى عبر التلويح بالأزمة الاجتماعية التي سيخلّفها تقليص عدد المصارف، الذي سيستتبع حكماً بتقليص عدد الموظفين.

سرعة قياسية!
وبعد تأكيد وزير المالية غازي وزني، تصميم الحكومة على تخفيض عدد المصارف، رد رئيس نقابة موظفي المصارف أسد الخوري، في بيان، قائلاً: "بالفم الملآن ودون أن يرف له جفن، طالعنا وزير المالية بتصميم الحكومة على تخفيض عدد المصارف إلى ما يقارب نصف العدد الحالي، متفاخراً بهذا الانجاز الاقتصادي غير المسبوق أمام الشعب والمجتمع الدولي، وما كنا لا ندركه حقاً هو هذه السرعة القياسية لهذه الحكومة في دراسة وتدقيق ميزانيات وهيكليات المصارف كافة، واتخاذ القرار الذي لا ينقصه إلا صدور الأحكام بإعلان أسماء من سينهي مسيرته الاستثمارية اليوم، ومن سيبقى على قيد الحياة. ولا ضير في ما سينتج عن هذا الحكم من كوارث اجتماعية ومعيشية لآلاف وآلاف الزملاء موظفي القطاع المصرفي، والذين هكذا وبشطبة قلم وتصريح إعلامي، وبعد كل تضحياتهم وجهودهم وتفانيهم في أيام الحرب والسلم والثورة وهجمة الوباء، متحدين كل المخاطر والصعاب، متحملين برحابة صدورهم، وعلى حساب كراماتهم في بعض الأحيان، كل المواجهات المركّب منها والعفوي الصادق، جاءتهم المكافأة من السلطة السياسية لترمي بهم في المجهول وتتركهم إلى مصيرهم في أسوأ ظروف اقتصادية ومعيشية يمر بها الوطن".

الروائح النتنة
واعتبر الخوري أن موظفي المصارف لن يكونوا "لقمة سائغة في أفواه وعلى ألسن من أغمضت أعينهم وصمت آذانهم وسكرت أنوفهم، لعدم رؤية وسماع وشم الروائح النتنة العابقة في معظم أروقة دوائرهم. فأوصدوا الباب على ما ومن فيه، وأصدروا المحرمات، وأداروا الظهر إلى القطاع الخاص وتحديداً إلى حجره الاساس ـ القطاع المصرفي ـ ليتباروا على المنابر الإعلامية بالتصاريح بغية توجيه الرسائل غير المباشرة. وهذا كله على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، الذي يراقب أدق تحركاتنا، ويسجل هفواتنا، ليبني عليها قرار المساهمة أو المساعدة، بدلاً من أن يتوجهوا وبمسؤولية رجالات الدول إلى عقد لقاءات واجتماعات والغوص في تبادل الأفكار والآراء والمناقشات مع الأطرف المعنية، بعيداً من المناكفات وتسجيل النقاط".

وسأل الخوري وزير المالية "هل نظمتم بيتكم الداخلي قبل أن تتحفوننا بالنظريات والنسب والارقام حول تصحيح بيوت الآخرين؟ هل كتلة الأجور التي تدفع للقطاع العام تخضع للمعايير الدولية المقبولة؟ هل تمت معالجة مسألة موظفين في القطاع العام لا يحضرون إلى عملهم إلا في ما ندر ولقبض رواتبهم؟ هل اتخذت قرارات حاسمة في شأن التوظيفات السياسية؟ تتوجهون إلى القطاع المصرفي لتصغير حجمه وتسريح العديد من موظفيه. وهو قطاع خاص لا يكلف الدولة فلساً واحداً، بل يشكل رافداً مالياً، فيما خص الضرائب على الأجور، وتغضون الطرف عما أنتم مؤتمنون على حسن إدارته، والذي دأبتم وما زلتم تستدينون له من مصرف لبنان، أي من ودائع مودعي المصارف لدفع رواتبه وأجوره وما سوى ذلك".

سلطة الفساد
ودعا الخوري الحكومة إلى الكف عن اصدار التعاميم وتقاذف المسؤوليات "فالسلطة السياسية هي المسؤول الأكبر عما وصل إليه الوضع في البلاد. وهنا لا أعفي المصارف أو مصرف لبنان. فالخطيئة الكبرى كانت في الثقة التي منحت للسلطة السياسية، التي عاثت فساداً وهدراً ونهباً، فإذا كان القطاع المصرفي ومصرف لبنان ارتكب خطأ، فإن السلطة السياسية ارتكبت جريمة وعليها التفتيش عن المتورطين، بغية محاكمتهم ومحاسبتهم وتدفيعهم الثمن. أما القول بأن ما نمر به اليوم هو نتاج سوء أداء حكومات سابقة فهذا قول مردود جملة وتفصيلاً. فالحكم استمرارية، ومن قبل تحمل المسؤولية عليه تحملها، سواء أكان الارث من السلف كتلة نار أو كتلة نور".

وتوجه رئيس النقابة إلى الموظفين، معبّراً عن نجاحهم في القطاع المصرفي بعد قدومهم من جامعاتهم، بهدف "العمل لاعلاء شأن الصناعة المصرفية ومن خلالها ازدهار المصارف". فقال الخوري للموظفين "نجحتم وأبدعتم وحققتم انتشاراً وازدهاراً للقطاع، ما جعل منه قبلة أنظار العالم. في المقابل، كانت السلطة السياسية تتكئ على صخرة صلبة في تغطية عجزها الدائم سنوياً، وهي مصرف لبنان والقطاع المصرفي، بغية التمويل وتغطية العجز. وكم من مرة طُلب من السلطة السياسية تصويب الأمور وتصحيح المسار لعدم الانزلاق إلى الأسوأ. فكانت الوعود ولكن من دون التزام، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه. ولنا في هذا المجال كلام كبير وكثير مع أدلة وبراهين ستعرض في الوقت المناسب".

ودائع الناس
وطالب الخوري الحكومة بأن تعمد إلى "هيكلة وتنظيف بيتها الداخلي، وتترك لنا مع جمعية المصارف ومصرف لبنان، وكل مصرف على حدة، دراسة إمكان تلبية الالتزامات والقيود والمعايير المطلوبة من قبل مصرف لبنان والمراجع الدولية، أو صعوبة تلبيتها، لاتخاذ القرار المناسب في شأنها. ونؤكد حفظ ودائع الناس وحقوق الموظفين الذين قد يستغنى عن خدماتهم، آخذين في الاعتبار انعدام التوازن على المستوى المعيشي في هذه الظروف، بعد إجراء التعديلات الضرورية والعادلة على اتفاقيات الصرف التي قد نصل يوماً إلى اعتمادها".

واعتبر الخوري أن موظفي القطاع المصرفي هم "أصحاب علم ومعرفة ومهنية. كما أننا في الوقت نفسه أصحاب صدقية وحق، فسنتجند ونكون جاهزين لعدم إضاعة حق أحد. وفي المقابل، نحذر من أن من يحاول وأي كان تهميشنا والإساءة لمسيرتنا ومعيشتنا وكرامتنا وتجاوز حقوقنا لن يكون في مأمن من شظايا غضبنا، ونعد بأن نار نيرون لن تروي غليلنا إذا ما اضطررنا إلى المواجهة".

ويأتي هذا الرد في وقت يؤكد فيه الخبراء اللبنانيون والدوليون، على ضرورة إعادة النظر في حجم القطاع المصرفي. وهذه الخطوة ستترك آثاراً سلبية على أغلب الموظفين. لكن في الوقت عينه، على السلطة السياسية تحمّل المسؤولية، لأنها صاحبة فكرة توسيع القطاع المصرفي إلى هذا الحد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024