التهريب بين عرسال وسوريا.. ردّ للجميل

حسين سلطان

الخميس 2014/07/31


لا يختلف واقع عرسال الإقتصادي والمعيشي عن واقع معظم قرى البقاع الشمالي ومدنه، المحرومة من دعم الحكومات اللبنانية المتعاقبة، ولاسيما في ظل غياب فرص العمل الناتج عن ضعف الإنماء الذي يكاد يكون معدوماً في محافظة بعلبك الهرمل.
ففي قرى هذه المنطقة وجد الأهالي أنفسهم أمام خيارين، إما النزوح أو إيجاد البديل الإقتصادي لتأمين رغيف الخبز. ووجد ساكنو عرسال في إنشاء مقالع الحجر الصخري وتصنيعه- والذي يكاد يكون أشهر أنواع الحجر الصخري في لبنان- بديلاً من غياب فرص العمل. كذلك وجدوا سبيلاً آخر للعيش، وهو تهريب السلع والمواد من وإلى سوريا عبر معابر غير شرعية. ومعروف جغرافياً بأن لعرسال جرداً واسعا يمتد نحو 70 كيلومترا على طول الحدود مع سوريا. وقد ساعدت المعابر الجبلية القديمة والحديثة، الأهالي في نقل البضائع، منذ الاستقلال حتى اليوم، إذ أن أكثر من 2000 عائلة في هذه القرية يعيشون من واردات التهريب.


لكن منذ بدء الأحداث في سوريا، أي في العام 2011، بدأت "مرحلة جديدة ومفصلية في مسار عمليات التهريب في المنطقة، لجهة أنواع البضائع المهربة ومصدرها إضافة إلى طرائق التهريب"، وذلك وفق ع.ح.، أحد العاملين في التهريب في عرسال.
ويضيف: "التهريب قبل 2011 كان يقتصر على سلع محددة، واتجاه التهريب كان من سوريا إلى لبنان. فإضافة إلى الطحين وبعض أنواع الحبوب المدعومة من الدولة السورية، كان حديد الخردة من أبرز المواد المهربة وكان المهربون السوريون ينقلونه إلى الأراضي اللبنانية، حيث كان يفرّغ في مساحة معينة من الأرض البور كانت بمثابة نقطة تجمع للمهربين، لبنانيين وسوريين".
أما الأسعار، فكانت "تراوح بين 150 و200 دولاراً لطن الحديد الواحد. وكنا نبيع الحديد هذا لكبار التجار اللبنانيين، بربح يبلغ نحو 10 دولارات في الطن الواحد، وذلك بعد احتساب تكاليف التحميل والنقل والرشى للدرك والجمارك".



وتتربع مادة المازوت على عرش التهريب في عرسال، وتشكّل عصب عمليات التهريب هناك، فهي الأكثر ربحاً والأكثر طلباً في السوق اللبناني، وذلك نظراً للفارق الكبير بين أسعار المازوت في كل من لبنان وسوريا. "لكن في المقابل يعد تهريب المازوت الأصعب والأخطر. إذ علينا قطع الحدود عند حلول الليل والتوجه نحو الأراضي السورية لملاقاة المهربين السوريين وتفريغ مادة المازوت من صهريج الى آخر عبر مضخات أو في بعض الاحيان يدويا لتجنب الضجيج الذي قد يلفت انتباه حرس الحدود السوري (الهجانة). ولكن الربح كان يستحق المخاطرة"، يقول ع.ح.
في المقابل، "كنا نهرب إلى سوريا الدخان المستورد ولاسيما الاميركي الصنع، وخرطوش الصيد".



تبدّل الاتجاه

تحول التهريب في جرود عرسال، كلياً، بعد عام 2011، فـ"كل ما كنا نهربه من سوريا أصبحنا ننقله إليها، ولاسيما المازوت الذي لم نكن نتخيل أن يهرب في يوم من الأيام من لبنان إلى سوريا"، وفق ما يؤكده المهرّب أ.ب. لـ "المدن".
الطحين، السكر، الحليب، حفاضات الأطفال، والكثير الكثير من السلع أصبحت تهرب إلى سوريا، بعدما "فقدت من الأسواق هناك بسبب المعارك وقطع الطرق. و"قد ازداد الطلب على هذه السلع خصوصاً بعد توسع المعارك في منطقة القلمون السورية فتضاعف عدد المهربين وكمية البضائع وتضاعفت الأسعار أيضاً".


ويشير أ.ب. إلى أنّ "الأسعار كانت ترتفع وتنخفض بشكل هستيري بين يوم وآخر متأثرة بسير المعارك، كما أن الطرق من وإلى منطقة يبرود مثلاً، أصبحت أكثر ازدحاماً من الطريق نحو بيروت".
وإلى جانب تهريب المواد الغذائية ومواد البناء والمحروقات، تتميز تلك المنطقة بتهريب "سلعة" مطلوبة جداً، ألا وهي السلاح. لكن الحديث في هذا الأمر، "مرفوض حالياً"، وفق عدد من المهربين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024