موازنة سوريا 2015: زيادة الدعم الاجتماعي.. والفقر

سلام السعدي

الخميس 2014/10/09


أقر مجلس الوزراء السوري أمس الأربعاء مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام 2015 بإجمالي قدره 1554 مليار ليرة سورية (8.5 مليار دولار)، وبزيادة بلغت نحو 12 في المئة عن الموازنة المالية للعام الحالي 2014.
وسجل الإنفاق الجاري في مشروع الموازنة الجديد ارتفاعاً بنحو 13.5 في المئة ليصل إلى 1144 مليار ليرة (6.4 مليار دولار) وبزيادة قدرها 134 مليار ليرة (744 مليون دولار) عن العام الحالي. كما ارتفع الإنفاق الاستثماري ليسجل 410 مليارات ليرة (2.3 مليار دولار) وبزيادة قدرها 30 مليار ليرة (166 مليون دولار) عن عام 2014.
وفي حديث لصحيفة حكومية قال وزير المالية إسماعيل إسماعيل إنّ "الموازنة حافظت على الدعم الاجتماعي ضمن إطار عقلنة الدعم، حيث قامت الحكومة بزيادته لتبلغ قيمته 983 مليارا مقابل 615 مليارا خلال عام 2014".


حديث الوزير عن رفع مبلغ الدعم الاجتماعي في الموازنة العامة الجديدة يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن حديثه العام الماضي عندما بدا فخوراً بـ "سخاء" حكومته في إغداق الدعم الاجتماعي على المواطنين. لكن السخاء الحكومي المزعوم في العام الماضي لم يأت إلا بالبؤس والمعاناة على الغالبية الساحقة من السوريين. فالحكومة السورية واصلت رفع أسعار جميع المواد التي تحظى بالدعم الاجتماعي، بدءا من السكر والأرز وصولاً إلى الخبز الذي كان يعتبر خطا أحمر بالنسبة للحكومة، لكنها لم تلبث أن تجاوزت هذا الخط مثلما فعلت مع عشرات ومئات الخطوط الحمراء المرتبطة بحياة السوريين.
وكانت مادتي المازوت والبنزين آخر المواد المدعومة التي رفعت أسعارها الحكومة الأسبوع الماضي. وتسبب ذلك بارتفاع حاد في أسعار جميع السلع والخدمات والمواصلات العامة. من هنا يبدو زيف التفاخر الحكومي والوعود البراقة بأن الموازنة الجديدة تهدف إلى "تعزيز المستوى المعيشي للمواطن الذي يعد هدف التنمية ومنطلقها، وتقديم أفضل الخدمات له وتسهيل الإجراءات أمامه للتخفيف من آثار الحرب الكونية عليه"، يقول رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي في حديث لصحيفة حكومية.
وفي خضم هذا الزيف الحكومي، يبرز تساؤل ملح: من أين ستأتي الحكومة السورية بالأموال اللازمة، وقد رفعت أرقام الموازنة للعام القادم؟ خصوصاً أن الإيرادات العامة للدولة تواصل انكماشها، حيث لا إيرادات نفطية بعد فقدان السيطرة على معظم الآبار والحقول النفطية، ولا إيرادات ضريبية يعول عليها، ولا مشاريع إنتاجية واعدة. كل ذلك في ظل انكماش اقتصادي حاد لا أفق حقيقيا للخلاص منه.

الطريق الأول الذي تسلكه الحكومة لتمويل تلك الزيادة في الموازنة العامة يرتبط برفع أسعار المشتقات النفطية. ويتيح لها ذلك تحصيل أموال جديدة من جميع السوريين بدون استثناء، فقراء ومتوسطي الدخل وتجارا وصناعيين. يضاف إلى ذلك زيادات فرضتها الدولة في بعض الرسوم والضرائب، كإقرارها في منتصف العام الماضي إضافة 5 بالمئة على تحققات الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة لمدة ثلاث سنوات بذريعة "المساهمة الوطنية لإعادة الأعمار".
الأهم من ذلك أن الزيادات الحاصلة في الموازنة، وطالما أنها مقدرة بالليرة السورية، فهي وهمية تماماً. ذلك أنها تترافق مع انخفاض في قيمة الليرة السورية، في ظل اتهامات قد توجه للحكومة بالتلاعب كما يحلو لها بسعر الصرف، وبما يخدم إنفاقها في ظروف معينة.
وتعتمد الحكومة السورية في جزء كبير من إنفاقها على "الخط الائتماني الإيراني" المقدر بمليار دولار أمريكي (استهلكت منه حتى مطلع شهر أكتوبر الحالي نحو 600 مليون دولار). ومع انخفاض قيمة الليرة السورية، ربما استطاعت الحكومة تمويل زيادة اسمية- وهمية في الموازنة الجديدة.

في نهاية المطاف، يصطدم السوريون بمعادلة حكومية فريدة من نوعها. فإذ تواصل الحكومة السورية زيادة المبالغ المخصصة للدعم الاجتماعي، ترتفع الأسعار ويزداد فقر الغالبية الساحقة منهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024