"ماريو الأمّة جمعاء"!

عصام الجردي

الجمعة 2019/10/18

في سباقنا مع الوقت لإنجاز موازنة 2020 ضمن المهلة الدستورية، ما عاد لنا أن نسأل عن الاصلاحات. فهذه مرجأة كما أُعلن رسميًا الى ما بعد الموازنة لتصدر بقوانين مستقلة. لقد بات علينا مجرد إطفاء الحرائق وتعقب الجمر تحت الرماد. جمر الوضع الاقتصادي الكُلي في البلاد، وجمر الحرائق التي أكلت "لبنان الأخضر الحلو". ثروة لبنان الحقيقية المستدامة. وغلافه المضاد للأكسدة. وقبلة السائح. ومورد الزرع والضرع.

لا توجد حالة إنكار للأزمة والمخاطر فحسب، بل وانكشاف على الكوارث الاقتصادية والطبيعية في وقت واحد. هناك من يريد قلب الطاولة كما يهدد فتى العهد الأغرّ في "دولة لبنان القوي". تعقد جلسة لمجلس الوزراء لاستعجال مناقشة الموازنة. يقاطعها "الفتى الأغرّ" ووزراؤه، الذين استحصل منهم سلفًا على استقالات خطية في تصرفه لو سارت الأمور في غير ما يشتهي. ونكتشف، أنه دعا وزراءه الى اجتماع يوم انعقاد جلسة مجلس الوزراء. يحضر جلسة أخرى لمناقشة ورقة اقتصادية تقدم بها التيار وكتلة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري. يعود وينقلب عليها في غضون 48 ساعة. تحصل تسوية من خارج مجلس الوزراء لتجاوز الواقع الشاذ، يذهب "الفتى الأغرّ" الى الجامعة العربية ويعلن موقفًا شخصيًا لإعادة النظام السوري الى الجامعة لا يمثل لبنان وحكومته. يكمل بأنه  سيذهب الى دمشق لإعادة النازحين السوريين. وهو يعلم سلفًا أن النظام لا يريد عودتهم. وأن مواقفه تثير قضايا خلافية كبيرة داخل مجلس الوزراء ولا تعبّر عن سياسية لبنان الرسمية وتشل الجهود لإطفاء الحرائق المالية. ولإنجاز مشروع قانون موازنة 2020 وإحالته الى مجلس النواب في 22 تشرين الأول الجاري حدًا أقصى. لا يأبه الفتى. والحرائق قائمة. المنظور المادي منها يلتهم الأخضر واليابس بالكارثة الطبيعية. والمنظور بالأرقام الخائبة المتصل بالوضعين المالي والنقدي والاقتصادي والاجتماعي، حرائقه مستمرة أيضًا، ولا عِبرة لمن يعتبر. ويروح تياره يتحدث عن "مؤامرة" ضد العهد. شكاوى الناس مؤامرة. الحَراك المدني والسياسي مؤامرة. الاعلام مؤامرة. مواقع التواصل الاجتماعي على سخافة بعضها وقلة تهذيبها أحايين، مؤامرة.

"نائب الأمة جمعاء"
كارثة الحرائق الطبيعية كانت "مؤامرة" أخطر هذه المرّة. "لعينة مشبوهة" وكيف لا، هي "في مناطق مسيحية تحديدًا" كما "شُده عضو التيار الحرّ" ماريو عون ودُهش. وللمناسبة فالأخير عضو في مجلس النواب. والنائب يمثل الأمة جمعاء على ما جاء في مقدمة الدستور. يظهر شابٌ على إحدى قنوات التلفزة استفزته ترّهات "نائب الأمة جمعاء" ويبدو إنه من أهالي الدبيّة التي نالت قسطها من الحرائق، ليرد أن أبناء الدبيّة خليط من الطوائف ويواجهون معًا هذه اللحظة غائلة الكارثة. لم يرعوِ "نائب الأمة جمعاء" ولا اعتذر. وعاد في مقابلة تلفزيوينة مطالبًا أحد النواب (لم يسمّه) "فطحل في السياسية خلقه الله وكسر القالب أن يخرس".. وتابع "ماريو عون معروف عنه لا يبيّض وجهه. وأنا أول عَلماني في لبنان"! لم ينس النائب الكريم القول، "انهم يستخدمون الحرائق ضد العهد. لأنه يحارب الفساد ومستمرون في ذلك مهما كلّف الأمر". في لحظة تقوّل "نائب الأمة جمعاء"، كانت الحرائق تغطي معظم "مناطق الأمة جمعاء". من الشمال الى الجبلين الشمالي والجنوبي. الى الجنوب، وبعض راشيا والبقاع.  وكانت الحرائق تشتعل في الدامور، المدينة الجميلة المحروسة شرقًا لناحية بعورته وجوارها،بالسنديان والبلوط والصنوبر الحلبي البري والوزّال، وكل أنواع الأشجار البرية والمثمرة. المنداحة غربًا على ساحل جميل غنّاء، يحضن سهلًا من الموز والليمون والبرتقال الممتاز "غير الرديء"، والأكيدنيا والأشجار المثمرة. وكانت المشرف القرية المدينية الموسرة المتخامة الدامور، بالحدائق والعمارات النموذجية تحترق. وقد هبّ كل النشامى لصدّ الحرائق في المنطقة. وقدّم سليم أبو مجاهد رب أسرة حياته مثالًا للتضحية. رجال الدفاع المدني، والصليب الأحمر، والهلال الأحمر الفلسطيني وطائرات الحسَنة المتوسطية. إلاّ الإبن البار "ماريو الأمة جمعاء"، وجدها مناسبة لكلام "رصين لا يؤته إلاّ متفقّهون بررة، وكبارٌ أشاوس، يغشون الوغى ويعفّون عند المغنم".. خانته الفِطنة في لحظة رحمة الأمطار المنقذة. فقط ليرشدنا أين هطلت أولًا. وهل توزعّت بعدالة على الطوائف والمذاهب؟ وهل راعت الدستور المستباح والميثاقية؟ وممثلها واحدٌ أحد لا شريك له. لا في طائفته بل وعلى امتداد الوطن المسفوح! "مؤامرة".. هل عرفتم "المتآمر"؟

من أين تدخل "المؤامرة"؟
لندع الكوارث الطبيعية. إلى الكوارث الوضعية من صنع ذواتنا نذهب. "التيار الوطني الحرّ" يهيمن على كل مفاصل الدولة ومرافقها. من رئاسة الجمهورية ونزولًا. ويفرض مشيئته على أخرى تبدو نظريًا خارج إرادته. فمن أين ستدخل "المؤامرة"؟ إذا دخلت فمن هو المتآمر؟ أَفهمونا.. للشعب أن يقيّم ويحاسب. هل مواقف وزير الخارجية أدّت الى تحسين علاقات لبنان مع الدول العربية وبقية دول العالم؟ كل المعضلات التي نواجهها في قطاعات الكهرباء والمياه والبيئة، على رأسها وزراء من التيار نفسه. نحو نصف الدين العام عجزًا تراكميًا لكهرباء لبنان ومن دون كهرباء. ولنا أن نعلم ان كل مليار دولار أميركي ينفق في هذا القطاع، مثقل بعائد فوائد يقرب من 16 في المئة حدًا أدنى. تقرر في 2010 مليارًا و200 مليون دولار أميركي للكهرباء، شرط تعيين مجلس ادارة وهيئة ناظمة. المؤسستان معنيتان مباشرة بادارة القطاع وبسياساته. وبتقرير الحاجات والمناقصات وخلافها. ومعنيتان بالرقابة وبالبيانات المالية وحسن الاداء. وزير الوصاية سلطة الوصل بمجلس الوزراء ليس إلاّ. لم يحصل شيء من هذا. أعطي وزير الطاقة والمياه تفويضًا من مجلس الوزراء في 21 أيار 2018 لبدء المفاوضات مع الشركة الملتزمة معمل دير عمار. لماذا التأخير؟ والأموال لم  تنفق. هل معمل التغويز في سلعاتا ضرورة أصلًا؟ من يقول ذلك؟ لماذا الاستملاك بالملايين لبناء المعمل والدولة تملك قطعة أرض كبيرة هناك؟ كما فهمنا من العقد، فالمشروع على الملتزم. لماذا التهافت على الاستملاك والتباطؤ في بناء المعمل؟هل صحيح أن القضية ثلاثية مرتبطة بمعملي الزهراني ودير عمار وسلعاتا؟ لو صحّت الفرضية، ما الجدوى المالية والكهربائية من وراء ذلك؟ لماذا الخوف من شبح ادارة المناقصات؟ وهذه الادارة لا علّة في نزاهتها وجدارتها. سيطر وزارء الوصاية على كل المؤسسة خلافًا للقانون. رضينا. أين هي تقارير حسابات مؤسسة كهرباء لبنان بوضعها الحالي المدقّقة بحسب الأصول؟ ألا يستأهل عجزها ودينها وقصورها تقريرًا حدًا ادنى؟

وزارة البيئة سيادية أيضًا. ليس للحفاظ على الموارد السيادية فحسب. بل لما تبقّى مضادات ثاني أوكسيد الكربون. لحياة الناس والحيوان والنبات. مأمورو الأحراج لم يوظفوا. عبروا مجلس الخدمة المدنية بنجاح. التوزيع الطائفي لا يعجب "فتى العهد الأغرّ". والعهد معجب بفتاه. والفتى، لهول صدمة السلطة والنفوذ، فقد الرشد وطاشت سهامه. وراح يزمجر "أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا متى أضع العمامة تعرفوني". سنقلب الطاولة يقول. والطاولة مفخوتة أصلًا لفرط ما ضربت توكيدًا على "دولة لبنان القوي". وزارة البيئة لا تعمل بلا جهاز بشري كفيّ. الحال نفسها في رجال الدفاع المدني. ألا يستحقون التثبيت في وظائفهم وعطلة أسبوعية وسنوية وضمانات صحية واجتماعية؟ كنا لنُشرك رئيس مجلس الوزراء المسؤولية. لكن يا حيلتاه! 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024