تمديد عقد "برايم ساوث" بالكهرباء: شراكة عائلية تأكل الدولة

خضر حسان

الإثنين 2021/02/15
وافقت شركة "برايم ساوث" Primesouth المتعهّدة تشغيل وصيانة معملي الزهراني وديرعمار على تمديد عقدها مع مؤسسة كهرباء لبنان، لمدة عام. وجاءت الموافقة بعد تعهّد رئيس الحكومة حسان دياب، ووزير الطاقة ريمون غجر، والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك، بـ"إيجاد حل يتعلق بتسديد وتحديد آلية دفع مستحقاتها السابقة، كما ومستحقاتها للعام المقبل".

وبالرغم من عدم وضوح آلية الدفع ووضوح عدم القدرة على الدفع، ارتأت الشركة وضع نحو 105 مليون دولار في عهدة المجهول، تسييراً للمرفق العام، بما أنَّ الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، صعبة.

لا إمكانية للدفع
مِن أبسط بديهيات عِلم المحاسبة، أن لا تُعقَد نفقة لا يمكن تأمين إيراداتها. والشركة الأميركية المنشأ، اللبنانية الممارسة والتحاصص، تعلم يقيناً أن مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة ووزارة المالية ومصرف لبنان، لا يملكون جميعهم إمكانية دفع المستحقات الموزّعة بين 45 مليون دولار عن الفترة السابقة، و60 مليون دولار عن فترة التمديد لمدّة عام. وللتأكيد، أشارت "برايم ساوث" في بيان لها، الى أن مؤسسة كهرباء لبنان، "كانت قد طلبت تمديد العقد لمدة سنة، وبدأت المفاوضات مع الشركة لإيجاد حل لآلية دفع المستحقات المتراكمة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لتمكين الشركة من القيام بالتزاماتها على أكمل وجه وبالمستوى نفسه، إلا أنه لم يتم التوصل إلى أي حل".

بالتوازي، تعلم الشركة بأن مؤسسة كهرباء لبنان غارقة في سلفات خزينة متكررة على مدى عقود، ولم تبادر الى دفع أيّ منها. مع الإشارة الى أن تلك السلفات أعطيت بموجب قوانين الموازنات العامة المتكررة، بصورة مخالفة لقانون المحاسبة العمومية، وتحديداً المادة 20 منه، والتي لا تُحظّر إعطاء السلفة في حال عدم تثبّت وزارة المالية من أنّ الجهة المستلِفة، قادرة على تسديد السلفة. وإن كان الهدف من إغراق مؤسسة الكهرباء بديون وصلت الى نحو 40 مليار دولار، هو بيعها بأبخس الأثمان، فما هو هدف "برايم ساوث" باستمرار التورّط مع مؤسسة لا أفق أمامها لدفع متوجباتها؟

تثبيت سيطرة العائلة
حسابياً، لم تحصِّل الشركة أموالها من الدولة. ومصرف لبنان أعلنَ النفير العام في ما يخصّ استمراره في تأمين الدولارات لتغطية نفقات مؤسسة كهرباء لبنان، وإن كانت التغطية تُسَجَّل على حساب وزارة المالية، إلاّ أنّها تُدفَع من موجودات المركزي.

لكن ما تَقَدَّمَ لا يعيق استمرار "برايم ساوث" في عملها، إذ هي إمتدادٌ لجملة من المشاريع المرتبطة بمؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة. ومِن هُنا يُفهَم سبب عدم التخلّي عن عقد تشغيل وصيانة معمليّ الكهرباء. فالشركة في موافقتها على التمديد، ضَمَنَت لنفسها تعاقداً جديداً من دون إجراء مناقصة. وبما أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية صعبة ومعقَّدة، فإن إطالة أمد التعاقد مكفول، ومَعَه تكفل الشركة لنفسها إطلاق عدّاد تسجيل ملايين الدولارات على الدولة. وتلك الملايين تزيدها غرامات وبنود جزائية احتَرَفَ منظِّمو العقود وضعها وإخفاءها بعبارات وشروط ملتوية، لتفخيخ العقود واكتساب الملايين على حساب المال العام. ولا خوف من ضياع "المستحقات"، فهؤلاء يُمسكون بمراكز قرار الدفع، بالتواطؤ مع شركائهم في المنظومة ممَّن يملكون مفتاح المالية.
التمديد يَفترِض امتلاك وزير المالية جواباً على كيفية دفع مستحقات الشركة. لكن الواقع يؤكّد العكس. وفي المقابل، لا يملك وزير الطاقة إجابة مماثلة، بوصفه الوزير الوصي على مؤسسة كهرباء لبنان وعقودها. لكن ما يملكه غجر، ومن خلفه الوزير الملك للطاقة، جبران باسيل، ليس إلاّ التمديد لمشاريع عائلية تؤمّن استفادة مشتركة عابرة للتيّارات السياسية، على غرار ما كان يحصل في عهد وزراء الطاقة، حين كانت الوزارة في عهدة حركة أمل، إذ كان أحد المتعهّدين من آل بارودي، يحظى بحصة الأسد من المشاريع.
استَبدَلَ باسيل ومستشاروه الذين تحوَّلوا الى وزراء، عهد آل البارودي بآل ضومط، وتَمَدَّدَ الأخير داخل قطاع الطاقة من خلال شركات يديرها أقرباء له، فسيطروا على مشروع مقدّمي اليد العاملة الفنية الداعمة لمؤسسة الكهرباء، فضلاً عن مشروع بواخر الطاقة... وإلى ذلك من المتفرّعات التي ابتدعها باسيل منذ العام 2010 حتى الآن.
وعليه، فإن موافقة "برايم ساوث" على تمديد عقدها، يعني موافقة سمير ضومط على إبقاء ذراع له في مشاريع الكهرباء. أما مستحقات شركته، فهي بحُكم المُحَصَّلة، إما بعد حين، مع غرامات وبنود جزائية، وإما من عقود حالية لمشاريع أخرى.
إلاّ إن أراد أحدٌ ما إقناع الرأي العام بأن شركة أميركية، فَضَّلَت مصلحة لبنان بأوضاعه الحالية، على مصلحتها، فأبقَت على التزامها رغم الخسارة المادية. وهو خيارٌ يعاكس المنطق والعِلم، ويتناقض مع اتجاه المستثمرين الأجانب والعرب واللبنانيين الذين فضَّلوا الخروج من لبنان، أو تقليص مستوى استثماراتهم، في أحسن الأحوال.

مفاعيل تشابك المصالح، مدهشة. يُخَيَّل للمرء أن المنتفعين من التعاقد مع الدولة، يخسرون أو يُقدِّمون تنازلات بربحية أقل، خدمة للدولة. لكن التعمّق في تفنيد شبكة العلاقات بين كبار المتعهّدين وأصحاب القرار السياسي، وتدقيق تفاصيل بنود العقود، تُفضي الى أن الربح مضاعَف على الأقل، وإن تحصيل "المستحقات" يأتي من مشارب متعدِّدة.. وكل ذلك في سبيل ضمان استمرارية التحاصص.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024