هل الليرة مستقرة؟

عزة الحاج حسن

الأربعاء 2017/12/06

عقب إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته من الرياض، في 4 تشرين الثاني، عصفت في الأسواق المالية اللبنانية زوبعة لم تخلّف وراءها أي أضرار تذكر وإن أقلقلت البعض. فقد شهدت سوق الصرف عمليات تحويل من الليرة اللبنانية إلى الدولار، لم تتجاوز حدودها الطبيعية والمتوقعة في ظل أزمة سياسية لم تكن معالمها واضحة في الأيام الأولى التي تلت الاستقالة، غير أن الحجم اليومي لعمليات الدولرة انخفض تدريجاً خلال الأسبوع التالي لتعود سوق الصرف إلى نشاطها الطبيعي. والسؤال اليوم إلى أي مدى يمكن للعملة اللبنانية أن تصمد في ظل الازمات؟ وهل أن استقرارها غير محدود الأفق؟

ترتكز سياسة مصرف لبنان النقدية على مؤشرات مالية واقتصادية، وعلى واقع لبنان، حيث المخاطر السياسية والأمنية. وهو ما يؤكده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مراراً. ما دفع المصرف المركزي إلى القيام بعمليات استباقية لزيادة موجوداته من العملات الأجنبية.

فالأزمة السياسية الأخير، وإن دفعت مصرف لبنان إلى التدخل في الأسواق وبقوة، إلا أنها بقيت ضمن نطاق ضيق يمكن السيطرة عليها بسهولة، يقول مصدر مصرفي لـ"المدن"، إذ اكتفى مصرف لبنان بالقيام ببعض الإجراءات الحمائية للعملة الوطنية، لاسيما لجهة طلبه من المصارف رفع الفائدة على الودائع بالليرة إلى مستويات تقارب 15%، وهو المستوى الذي وصلت إليه الفائدة عقب أزمات كبيرة كاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك بهدف تشجيع المودعين على عدم الهروب من الليرة إلى الدولار.

ويبقى أن الخطر الحقيقي على الوضع المالي لا يكون بتحويل الأموال من الليرة إلى الدولار (الدولرة)، إنما بهروب الودائع من لبنان إلى الخارج. وهو ما لم يحصل خلال الأزمة السياسية الأخيرة، وفق المصدر.

ولم تقف إجراءات مصرف لبنان عند تشجيع الزبائن على عدم الهروب إلى الدولار، فقد اتخذ إجراءات أخرى لضبط الطلب على الدولار ومنع حسم السندات، وتحريك الحسابات المجمّدة قبل الاستحقاق. ما جعل الطلب منظّماً على فترات متقطّعة.

كل تلك الإجراءات يضعها خبراء الاقتصاد والمال في خانة "الطبيعية" طالما أن التحويلات من الليرة إلى الدولار لم تتجاوز سقف السيطرة. وهي لا شك تقتصر على الأموال "الساخنة"، بحسب ما وصفها الخبير الإقتصادي غازي وزني في حديث إلى "المدن". فالأموال التي يمكن أن "تُقلب" من الليرة إلى الدولار خلال الأزمات تسمّى الاموال الساخنة، وهي تقدر بنحو 3 إلى 4 مليارات دولار فقط. علماً أن 33% من الودائع الموجودة في لبنان معنونة بالليرة اللبنانية وتساوي نحو 57 مليار دولار، و67% منها معنون بالدولار وتساوي نحو 166 ملياراً.

لعل المؤشر الأبرز على استقرار الليرة هو عودة التحويلات من الدولار إلى الليرة بعد انحسار الأزمة. وهو ما يعد مؤشر ثقة، وفق وزنة الذي يتوقع أن تستمر العملة المحلية على استقرارها خلال العام 2018، أي على المدى المنظور، ولكن مع تعديل معدلات الفوائد المرشحة إلى الارتفاع على الليرة والدولار بسبب المخاطر واجواء عدم اليقين.

نظرية استقرار الليرة على المدى المنظور لا يختلف عليها الخبراء. وهو ما يعبر عنه كذلك أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية جاد شعبان في حديث إلى "المدن"، إذ يوضح أن ثبات سعر الصرف يعتمد على حجم الاحتياط في مصرف لبنان وعلى الثقة وتواصل تدفق العملة الأجنبية من الخارج. "وهذا الأمر لا يمكن أن يهتز إلا في حال ارتفاع الطلب على الدولار بشكل يفوق قدرة مصرف لبنان على التدخل، أو جراء تراجع التحويلات بشكل كبير".

وإذ يؤكد شعبان أن لا مؤشرات على زيادة الطلب الاستثنائي على الدولار ولا على تراجع التحويلات، "وهو ما لم يحصل عام 2005 عقب اغتيال الحريري وعام 2006 عقب حرب تموز"، يلفت إلى أن الطلب على الدولار وإن كان كبيراً إلا أنه لم يتجاوز احتياطات مصرف لبنان التي تتجاوز 53 مليار دولار.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024