سعر الدولار إلى أين؟

عزة الحاج حسن

الخميس 2020/08/13
لماذا أخذ الدولار مساراً نزولياً منذ أكثر من 10 أيام؟ هل سيستمر سعر الدولار بالانخفاض؟ ام سيُعاود الارتفاع مجدداً؟ أسئلة كثيرة يطرحها المواطنون، من دون أن تلقى تساؤلاتهم إجابات دقيقة، أو تفسيرات واضحة، يُرسم على أساسها مسار الدولار في المرحلة المقبلة... فلا يمكن اليوم رسم توقعات دقيقة لتوجهات الدولار، سيما وأن لبنان دخل حالياً مرحلة جديدة قوامها أزمة "انفجار مرفأ بيروت"، نتج عنها دمار هائل وخسائر فادحة وتدخل دولي، ومحاولة لرسم السياسة اللبنانية من خلال إعادة توزيع السلطة بين مكوناتها، وسط ضبابية مُحكمة للمشهد السياسي في المرحلة المقبلة، وما يمكن أن ينتج عنه من مبادرات وترتيبات اقتصادية قد تخطو بالبلد باتجاه الإصلاح أو الدمار الاقتصادي التام.

عوامل مؤقتة
بعض العوامل قد تكون ساهمت في هدوء سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وانخفاضه مؤخراً، فتخطى اليوم الخميس 13 آب حاجز الـ7000 ليرة نزولاً، ووصل إلى نحو 6800 ليرة. وهو مستوى منخفض كثيراً عما وصل إليه الدولار في الأشهر الماضية، متخطياً عتبة 9000 ليرة.

من بين العوامل المساهمة حالياً بتراجع الدولار، انخفاض الطلب عليه من قبل المستوردين، بعد تعطل عملية الاستيراد بشكل كبير عبر مرفأ بيروت. أضف إلى استعادة المنفذ الوحيد لضخ الدولارات في السوق، أي عبر مؤسسات التحويل المالي، بعد إعادة مصرف لبنان السماح للمؤسسات غير المصرفية (OMT وويسترن يونيون وغيرها)، التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الإلكترونية، بأن تسدد قيمة أي تحويل نقدي إلكتروني بالعملات الأجنبية وارد إليها من الخارج بالدولار الأميركي، بعد ان كانت تسدده مؤخراً بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف يقارب 3850 ليرة فقط.

عامل آخر قد يكون من العوامل المساهمة في تراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، يتمثّل بترقّب تدفق المساعدات النقدية، التي أقرتها الدول المانحة والمقدرة بنحو 300 مليون دولار. وإلى جانب تلك العوامل، يرى سمير حمود، الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، أن عاملاً آخر ساهم بتراجع الدولار مبدئياً، يتمثل بتحفّظ المصارف نوعاً ما عن إصدار الشيكات وتقاضي الدولار مقابلها. وفي حديث إلى "المدن"، يقدّر حمود أن السببين المتمثلين بممارسات المصارف الخاطئة، وبارتفاع الطلب على الاستيراد ساهما بشكل أساسي بارتفاع سعر صرف الدولار مؤخراً، وبخلق السوق السوداء. من هنا، يبقى العامل الأهم الذي يجب أن يتوفر لضمان تراجع الدولار هو "توقف المصارف عن الدعارة التي تمارسها بتحويل الشيكات إلى نقدي"، وعلى المصارف أن تتشدد وتدرس كيفية وآلية إصدار شيكاتها والغرض والهدف منها. فمن غير المقبول أن تستمر بالعروض القاضية بمبادلة الدولار على شيكات.

ضبابية لا انفراج
العديد من الخبراء يوافقون على أن الوضع اليوم استثنائي، ومصير العملة الوطنية سوداوي عموماً، ومرتبط بشكل غير مباشر بما ستؤول إليه الظروف السياسية، ومن بعدها الاقتصادية في المرحلة المقبلة. وترى الباحثة ليال منصور إشراقية أنه لا يمكن رسم توقعات واضحة ودقيقة اليوم، خصوصاً في ظل التغيير الجذري للوضع اللبناني، اقتصادياً وسياسياً، عقب الإنفجار الكبير وما خلفه من أضرار هائلة: "من حيث المبدأ، نعم من المفترض أن يرتفع الدولار الأميركي أمام الليرة أكثر. لكن لا أحد يمكنه تحديد سرعة الارتفاع". وتؤكد إشراقية في حديث إلى "المدن"، أن "ليس بين أيدينا مؤشرات جذرية لصعود الدولار حالياً، ولا إلى هبوطه. لكن يبقى الثابت أن التوقعات "سلبية"، ولا يمكن أن يتراجع الدولار إلى مستوياته المنخفضة. وقد يعود عدم تصاعده اليوم إلى العديد من العوامل التي أعقبت الانفجار منها المساعدات ووضع كورونا وتراجع الاستيراد وغير ذلك من العوامل".

مسار الدولار
قد يكون من الصعب تحديد مسار الدولار في الفترة القريبة. لكن على المدى المتوسط والبعيد فإن مسار الدولار يحدّده أحد سيناريوهين، يرتبط الأول بنجاح المبادرات الدولية وبحُسن تلقّف الأفرقاء اللبنانيين تلك المبادرات، للمساهمة بإخراج لبنان من المأزق المدمّر الذي يتخبّط به، والتأسيس لإصلاحات اقتصادية ومالية تتوافق وشروط المجتمع الدولي والمانحين الدوليين، وتمهّد الطريق للتدفقات المالية، إن عن طريق إحياء مؤتمر سيدر أو عن طريق صندوق النقد الدولي أو المانحين الدوليين. حينها فقط يمكن الحديث عن خروج من المأزق المالي، وإعادة الحياة إلى الليرة اللبنانية تدريجياً.

ويصر حمود على أن استقرار الأوضاع، فيما لو حصل، يجب أن يترافق مع تصويب المصارف لآلية تسعير السوق، وضرورة الكف عن إصدار شيكات من دون معرفة أغراضها. كما على وزارة الاقتصاد مسؤولية التشدد بالتسعير في الأسواق وفق سعر المنصة، وليس السوق السوداء.

أما السيناريو الثاني، وهو الأسوأ، فيتمثل في حال فشل المساعي الدولية في إعادة تشكيل السلطة السياسية في لبنان، والتأسيس لإصلاحات اقتصادية مالية حقيقية وجذرية. فلا رادع حينها لارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بنحو 4 أو 5 أضعاف عما هو عليه اليوم. وحينها لن يجدي الحديث عن مسار أو مصير العملة الوطنية. فالكلمة ستبقى للدولار النقدي والحياة دائماً للأقوى.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024