لهذه الأسباب انخفض الدولار.. فهل يستمر؟

عزة الحاج حسن

الأحد 2020/10/25
يبقى الدولار الشغل الشاغل للبنانيين، تجاراً ومستهلكين، حيتان مال وبسطاء. الجميع متأثر سلباً أو إيجاباً بكل زوبعة يُحدثها دولار السوق السوداء. لكن حال لبنان السياسية والإقتصادية تبقي تحركات الدولار هبوطاً أشبه بزوبعة مؤقتة لا يعوّل عليها. فالانخفاضات الكبيرة التي أصابت سعر صرف الدولار في الأيام القليلة الماضية، تزامناً مع تكليف سعد الحريري تأليف الحكومة، صورية وغير حقيقية، ولا يمكن فصلها عن ألاعيب "قذرة" يقف وراءها تجار السياسة والمال في السوق السوداء.

وطالما أن الحدث، أي انخفاض سعر الصرف، يدور في السوق السوداء وكواليسها، بلا ملاحظة أي متغير على المستوى النقدي أو المالي، يمكن الجزم أن انخفاض الدولار مؤخراً لا يمكن قراءته سوى بانخفاض مزيّف لا يُتوقع له الاستمرار.

ولا شك في أن التلاعب بسعر الصرف الموازي، ليس بالأمر الصعب، نظراً إلى هشاشة العملة الوطنية وارتفاع مستوى قلق المواطنين الذين يشكلون من دون أن يدروا، أدوات التلاعب بسوق الصرف صعوداً أو هبوطاً. هذا إذا استثنينا احتمال تدخل متعمّد في السوق خلال الأيام الماضية من قبل تجار العملة، لخفض سعر الدولار خدمة لأهداف سياسية محدّدة، قد تكون مرتبطة بتكليف الحريري.

تلاعب بالدولار والناس
سجّل سعر صرف الدولار في السوق السوداء خلال الأسبوع الفائت تراجعاً ملحوظاً، تجاوز 2000 ليرة. فانخفض من محيط 8700 ليرة إلى نحو 6500 إلى 6700 ليرة للدولار حالياً. وكتفسير أولي لتسارع انخفاض الدولار خلال مدة زمنية قصيرة جداً، يمكن اعتبار ذلك مجرّد تفاعل السوق مع حدث إيجابي، كتكليف شخصية لتأليف الحكومة، بصرف النظر عن هوية المكلّف. لكن النظر إلى الحالة العامة التي سبقت عملية التكليف، لجهة تصاعد حدة المناكفات السياسية والكيديات، وسط غياب أي مؤشر إيجابي على الصعيد المالي والنقدي، يمكن أن يفسر تراجع سعر صرف الدولار بتعمّد بعض الصرافين من تجار السوق السوداء، بضخ كمية من الدولارات الطازجة في السوق. وهذا بالتوازي مع الترويج عبر منصات إلكترونية وإعلامية، لتوجه الدولار نزولاً، ما أثار الذعر بين مدّخري الدولارات من المواطنين فتداعوا إلى بيعه خوفاً من نزوله أكثر.

لا مزيد من الانخفاض
ومهما تعدّدت التفسيرات التي دفعت بالدولار نزولاً في الأيام القلية الماضية، يبقى الواقع أن لا دولارات متوفرة في البلد تكفي لسد حاجات الاستيراد. كما أن احتياطات مصرف لبنان لا تكفي لدعم استيراد المواد الأساسية لأكثر من شهرين إلى ثلاثة أشهرفي أحسن الأحوال. من هنا لا يمكن ربط مسار الدولار بالمعطيات السياسية سوى مرحلياً. أما على المديين المتوسط والطويل، فيستبعد خبراء النقد والمال هبوط الدولار في السوق السوداء بشكل ملحوظ. وقد نشهد تذبذباً، ربما يصل به إلى ما دون 6000 ليرة، لكن من الصعب، لا بل يستحيل أن يبلغ الدولار في السوق السوداء في المرحلة الراهنة، مستوى سعر المنصة الإلكترونية.

من المتوقع أن تشهد السوق حالاً مماثلة لانخفاض الدولار، في حال تشكيل الحكومة سريعاً. لكن الانخفاضات تبقى في خانة ردود الفعل الفورية والمؤقتة. أما التغيير الحقيقي في سعر صرف الدولار فيستلزم مزيداً من الوقت والتقدّم السياسي الجذري، وما يجب أن يستتبعه من عوامل إيجابية لا تنتهي بتشكيل حكومة، والمباشرة بتنفيذ إصلاحات اقتصادية واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تمهيداً لاستعادة الثقة محلياً ودولياً بشكل تدريجي، يدفع إلى إدخال عملات أجنبية إلى البلد ويستعيد جذب الاستثمارات الأجنبية.

انخفاض وهمي
في المحصلة لا يمكن اعتبار انخفاض الدولار فعلياً، خصوصاً أن غالبية الصرافين يمتنعون عن بيع الدولارات، ويعملون على شرائه فقط، كما أن الانخفاض لم ينعكس على أسعار المنتجات في الأسواق. لذا يسأل الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود "لماذا لم ينخفض سعر الدولار على المنصة الإلكترونية؟ وهل أصبح المعيار هو السوق السوداء؟"، متمنياً في الوقت عينه أن يستمر انخفاض سعر الدولار ومحاربة السوق السوداء "للتوصل إلى تحقيق سعرين فقط للدولار: 1500 ليرة، وسعر المنصة، أي 3900 ليرة. وذلك ريثما يتم دوزنة الوضع داخلياً قبل التوجه إلى صندوق النقد، لنبلغ لاحقاً مرحلة تحرير سعر الصرف". ويشير حمود في حديث إلى "المدن" إلى خطورة التحرير اليوم، إذ لا يمكن أن يتم ذلك من دون أن يصل الدولار في السوق السوداء إلى 100 ألف ليرة، ما لم يتم التمهيد للأمر وضبط السوق السوداء. و"ذلك لا يتم إلا عبر العمل بعقلانية وليس بالصراع".

وريثما تتضح الصورة على المستويين السياسي والمالي، خصوصاً لجهة رفع مصرف لبنان الدعم كلياً أو جزئياً عن المنتجات الأساسية، سيبقى المواطن اللبناني شارياً للدولار، مهما بلغ ثمنه، بهدف تحقيق بعض الأمان، باعتبار العملة الصعبة الملاذ الأكثر أماناً خلال الأزمات. وهذا ما اثبتته التجربة اللبنانية. ولذلك يبقى الانخفاض الفعلي غير وارد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024