هل تتواقح الدولة وتعوّض تحطيم المصارف من جيوبنا؟

عزة الحاج حسن

الثلاثاء 2020/01/21
من الوقاحة لا بل من الإجرام أن تغطي الدولة اللبنانية من خزينتها الأضرار التي لحقت بالمصارف، المنتفخة خزائنها على حساب عجز الدولة وإفقار الناس. قرار التعويض عن الأضرار الناجمة عن تحطيم واجهات المصارف في إطار الحركات الاحتجاجية والتظاهرات في الحمرا ووسط بيروت، وإن لم يُتّخذ حتى اللحظة، إلا أنه لا يزال وارداً إن لم نقل مرجّحاً، لاسيما أن الهيئة العليا للإغاثة قامت في وقت سابق بدفع التعويضات للمتضررين من أعمال الشغب في "أحداث الرينغ" الشهيرة. فهل فعلاً ستعوّض الهيئة عن أضرار المصارف؟ وهل ستتجاهل خصوصية الحالة، وحقيقة أن المصارف تشكّل هدفاً مباشراً للتحركات الاحتجاجية بعد دخولها في الفترة الأخيرة بمواجهة مع المواطنين، نتيجة حجزها أموالهم وممارستها لإجراءات قاسية جداً بحقهم؟

تعويض "الإغاثة"
تتولى الهيئة العليا للإغاثة مهام الإغاثة، وتقديم المساعدة، ودفع التعويضات عن أضرار المؤسسات والأشخاص، الناجمة عن عوامل طبيعية أو حروب أو أحداث أمنية أو حتى شغب وغيرها، وذلك بتوجيهات من رئيس مجلس الوزراء، الذي يشكل القوة التنفيذية للهيئة. لكن في حالة الأحداث الأخيرة والأضرار التي خلّفتها التظاهرات في الحمرا ووسط بيروت، خصوصاً المتعلّقة بتحطيم واجهات المصارف وصرافاتها الآلية وبعض ممتلكاتها، لا بد من طرح السؤال عما إذا كانت الهيئة ستعوّض على المصارف أضرارها، لاسيما أن رئيس مجلس الوزراء (وهو المخوّل الإيعاز للهيئة العليا للإغاثة مسح الأضرار) أبدى امتعاضاً كبيراً من استهداف المصارف والمواجهات التي تعرّضت إليها.

رئيس مجلس الوزراء لم يوعز حتى اليوم للهيئة العليا للإغاثة بمسح الأضرار التي تعرّضت لها المصارف، وفق حديث رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير إلى "المدن". فالهيئة لن تقوم بذلك ما لم يصدر قرار عن رئيس مجلس الوزراء بالكشف على المصارف، لاسيما أن عمليات المسح تستند عادة إلى قرار من رئيس مجلس الوزراء، وبناء عليه يتم فتح اعتمادات للهيئة للكشف عن الأضرار وتغطيتها.

ونظراً لكون الهيئة العليا للإغاثة قد غطّت الأضرار الناجمة عن الاعتداء على ممتلكات خاصة في مونو والصيفي والأشرفية، نتيجة أحداث الرينغ، من المحتمل أن توعز لها رئاسة مجلس الوزراء بالكشف عن أضرار المصارف بأحداث الحمرا. إلا أن ذلك لم يحصل حتى اللحظة وفق اللواء خير. وبالتالي، لم تباشر الهيئة مسح أضرار المصارف.

حجم الأضرار
ووفق مصدر في الهيئة العليا للإغاثة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، فإن خسائر المصارف تفوق قدرة الهيئة على التغطية. إذ أن ثمن الصراف الآلي الواحد تقارب 40 ألف يورو (44.3 ألف دولار). أضف إلى أن المصارف غير عاجزة عن إصلاح أضرارها، التي تعد "تافهة" من حيث أرقامها، بالمقارنة مع قدرة المصارف وحجم أرباحها الطائلة. وإذ يؤكد المصدر أن الهيئة بدأت بالكشف على الأضرار في الحمرا ووسط بيروت، لكنها لم تتطرق إلى أضرار المصارف، يختم: المصارف لا تحتاج إلى من يعوّض عليها "آكلة الدولة وحاجزة أموال كل الناس". كما أن غالبيتها يمتلك شركات تأمين تحترف التهرّب من تغطية زبائنها من الأضرار الناجمة عن أي أحداث أمنية.

التأمين لن يغطي
وفي سياق الحديث عن تغطية الأضرار، لا بدّ من التطرّق إلى موضوع التأمين، وما إذا كانت بوالص التأمين تغطي أضرار المصارف التي تعرّضت لها. من الثابت أن شركات التأمين لا تغطي الأضرار الناجمة عن أي نوع من أنواع العنف أو الشغب أو التظاهرات أو أي حدث أمني آخر. وقد عمدت شركات التأمين، وغالبيتها مملوكة من مصارف، إلى دس بند بطريقة خبيثة في عقودها، يتطرّق إلى "تغطية الأضرار الناجمة عن الحروب" والمقصود به تغطية الأضرار الناجمة عن حروب بين جيشين نظاميين. وهو ما يختلف عن أي حدث قد يوقع أضراراً في ممتلكات المواطنين. هذا البند "الخبيث" انقلب على المصارف، التي لن تحظى بتغطية عن أضرارها السابقة واللاحقة من قبل شركات التأمين.

ووفق الخبير في مجال التأمين، حسام شري، في حديث إلى "المدن"، فإن عقود التأمين للمصارف تشمل السرقة والسطو المسلح ونقل الأموال وخيانة الموظف واختلاس الموظف وغيرها.. لكنها لا تشمل على الإطلاق الأضرار الناجمة عن أعمال الشغب، باستثناء بعض الشركات التي تغطي بعقودها مع المصارف كسر الزجاج فقط، وضمن سقف محدّد لا يتجاوز 500 دولار للزجاج، أما الصراف الآلي ATM فلا تغطي أضراره أي شركة تأمين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024