بين نتنياهو ونصرالله: إلى جوع حتماً

خضر حسان

الأربعاء 2020/09/30
استفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من فشل المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان، ليرفع سقف المواجهة مع حزب الله. ويستفيد نتنياهو من نقطة إضافية، وهي صلابة الموقف الأميركي ضد الحزب من جهة، وضد الموقف الفرنسي الساعي لتعزيز مكانته في المنطقة عبر لبنان، من جهة أخرى. ففي هذه الحالة، لا تقوى باريس على انتقاد تل أبيب، ولا تستطيع الذهاب بعيداً إلى حدّ حماية حزب الله، رغم ترحيبها به شريكاً على الطاولة اللبنانية. فالطاولة الداخلية هي حدود العلاقة بين الضاحية الجنوبية لبيروت وباريس.

ووسط المزاحمة السياسية الدولية، يقبع الاقتصاد اللبناني في زاوية أزماته. فلا مولّدات دفع ذاتية، ولا أخرى مستورَدة خارجياً قادرة على الإنتاج. فالخارج نفسه إمّا مأزوم وإما يدّخر اقتصادياً وسياسياً خوفاً من الأسوأ مستقبلاً.
وعليه، يلعب الحزب داخلياً لعبة "الصولد". ليس لديه ما يخسره بعد. أمّا الاقتصاد، فلم يكن في الأصل في الحسبان. فالحزب منذ البداية، يضع سلاحه كأولوية تتقدّم على الاقتصاد.

قرار الحرب والسلم
قالها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ذات مرّة "إنَّ قرار حربنا وسِلمنا بيد الولّي الفقيه". ولا حاجة للاجتهاد في حضرة النَّص.
ما يريده الولّي الفقيه، مرشد النظام الإيراني، علي خامنئي، هو تعزيز مكانة نظامه في المنطقة، على حساب أيّ شيء آخر. لا الأمن ولا الاقتصاد ولا السياسة يشفعان. وحدها مصالح نظام ولاية الفقيه هي الأهم.

لبنانياً، لا يحتمل الاقتصاد شعاراً صريحاً وواضحاً كشعار نصر الله ورغبةً كرغبة خامنئي. فالاقتصاد يعتمد على علاقات هادئة مع الجوار أولاً، ومع العواصم البعيدة ثانياً. وخامنئي وحزبه في لبنان، لم يتركوا للبنان "صاحباً"، لا في الجوار ولا في المسافات البعيدة. أمّا في الداخل، فالموافقة المسبقة على كافة مشاريع وصفقات حلفاء الحزب، هي "تحصيل حاصل"، تحت حجة تحصين الوضع الداخلي وصيانة البلاد من حرب داخلية تُشعِلها ملفات الفساد.

في النتيجة، وقعت البلاد ضحية حرب اقتصادية داخلية، حماها حزب الله، وأعاد تدعيمها بقمعه وشيطنته لانتفاضة 17 تشرين الأول 2019. ويستمر في رفض كل صوت اقتصادي وكل تنهيدة اجتماعية، بحجة أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وأين هي المعركة؟ ممسوكة بقرار الوليّ الفقيه الذي ينتظر نتائج الانتخابات الأميركية ليبني على اتفاق نووي ما، مقتضاه السياسي والاقتصادي، فلربما يحقق انفراجاً في جدار العقوبات.

لن نجوع
يصرّ نصر الله دائماً على أن لبنان لن يجوع، بفضل سلاح حزبه. في المقلب الآخر، يؤكّد أن دولارات الحزب ستحمي أفراده وبيئته. وفي هذا الإعلان ردٌّ على الشعب المنتفض ضد المنظومة الحاكمة. فالحزب وفق هذه المعادلة يصبح بمنأى عن الجوع، وهذا كافٍ بالنسبة لنصر الله. كما أن نصر الله في خطابه يوم الثلاثاء 29 أيلول، أصرّ على أن حزبه دافَعَ عن لبنان اقتصادياً، وهو مستمر في حمايته وعدم السماح لأحد تدمير اقتصاده. لكن نصر الله لم يوضح خطة حزبه الاقتصادية، ولا مفهومه للحماية حين يوافق على مشاريع تستنزف الاقتصاد. على أنَّ أبرز موقف اقتصادي عبَّرَ عنه نصر الله، كان موافقته على ما سُمّي بالورقة الاصلاحية التي انتجتها حكومة سعد الحريري قُبيلَ سقوطها. فإن كانت تلك الخزعبلات هي ما يبني عليه نصر الله فهمه الاقتصادي، فعلى الاقتصاد السلام.

بعد نحو سنة على انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول، وتهديد نصر الله للمنتفضين بالجوع، بالتوازي مع تحذيرات حاكمة مصرف لبنان رياض سلامة بالجوع نفسه، نتيجة ما وصلت إليه البلاد من أزمة، يواصل نصر الله التمسّك بسلاحه مقابل الانفراجات الاقتصادية، التي يمكن أن يحققها لبنان فيما لو سارت حكومته بالطريق الأميركي وزادت الخناق على الحزب. وحتى اللحظة، لا مؤشرات حول نجاح المسعى الأميركي. لكن هناك ما يُلتَمَس من ضغط أميركي أصاب لبنان والحزب في آن، وذلك عبر الجوع والتدهور الاقتصادي.

وبالتالي، لا أموال سيدر ولا صندوق النقد ولا أموال دكّان ما في ضاحية واشنطن أو عواصم العالم يمكنها مساعدة لبنان، قبل بتّ ملف سلاح حزب الله. فهل يبتزّ الأميركي لبنان في هذه المعادلة؟ وهل استفزازات نتنياهو، وآخرها الحديث عن مستودعات أسلحة سرية في منطقة "الجناح" في بيروت، هي تعجيل للبت بقضية السلاح، والتلويح بإمكانية تحرير أموال المجتمع الدولي؟

مهما تكن النوايا الأميركية والاسرائيلية، فالحزب وإيران يدركان بأن الحرب طويلة وفيها معارك متفرّقة لا يدخل في حسابات بيدرها قمح الاقتصاد اللبناني، لأن التسوية وتعزيز أوراق التفاوض هي الأساس. وهنا، يمكن للشعب اللبناني أن يجوع، لأن الولايات المتحدة الأميركية وإيران، ومن خلفهما إسرائيل وحزب الله، لا يقيمون وزناً لارتفاع سعر صرف الدولار إلى 8000 ليرة أو حتى إلى 20 ألف ليرة. فلا أميركا تدعم الاقتصاد لتقوية الدولة على حساب الدويلة، ولا حزب الله يعارض مشاريع استنزاف الخزينة العامة. والتهريب عبر الحدود مع سوريا هو دليل على "تطنيش" حزب الله لعمليات تخريب الاقتصاد. فبرأيه، ضبط التهريب ليس من اختصاصه بل من اختصاص الدولة، لكنه في الوقت عينه يمنع الدولة من ضبط الحدود خوفاً على حركة سلاحه.. ومع كل ذلك، يصرّ الأمين العام على وجود مؤامرة خارجية، هو بريء من شطرها الداخلي.

مسؤولية الحزب
إسرائيل ليست حريصة على الاقتصاد اللبناني. فكل ما في الأمر أنها تزيد الضغط على حزب الله داخلياً، مستفيدة من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها جمهور الحزب والثنائي الشيعي بشكل عام. وربما تراهن عل ازدياد النقمة الداخلية ضد حزب الله، من بوابة الأزمة المعيشية. لكن الرهان الاسرائيلي لا يبرر تخلّي الحزب عن مسؤوليته الداخلية بوصفه مكوّناً من مكوّنات السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولا يمكن للحزب وضع السلاح مقابل الاقتصاد والاكتفاء بشعارات رنّانة من زمن الكفاح المسلّح الأممي والنوستالجيا اليسارية وأحلام القومية العربية، على شاكلة تحمّل الجوع في سبيل تحرير الأرض. فالأرض تحررت وتبدّلت مفاهيم الهيمنة والسيطرة والاحتلالات، وبات للجوع معنى مختلفاً، وللاقتصادات وجهة مغايرة، وللأجيال الجديدة تطلّعات لا تتناسب مع تطلّعات جيل الثورات الأممية.

والتجربة السوفياتية ما زالت قابلة للبحث، فعبرها يمكن اختبار انعكاس مفاضلة السلاح على الاقتصاد وسط تجاهل المتغيّرات الدولية.

بالعودة إلى ما حمله خطاب نصر الله مساء الثلاثاء، وإلى ما حاوَلَ نتنياهو إيصاله، يمكن الاستنتاج أن معركة "الكفّ مقابل الكفّ" باقية على ركام وطنٍ لن يرى مبادرات المساعدة الدولية. فالمجتمع الدولي وأصحاب رؤوس الأموال ينتظرون الأمن والثقة، بغض النظر عمَّن يملك الحق في قضيّته ومن لا يملكه. فالأهم هو الاستقرار حيث سيُوظَّف المال. وبالتأكيد، ليس لبنان الوجهة الصحيحة لتوظيف الأموال، بعد كمّ التهديدات المبطّنة التي أطلقها نصر الله، وكمّ الاستفزازات الاسرائيلية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024