مناقصة البنزين: العونيون يستفيدون.. ولا انخفاض للأسعار

خضر حسان

الثلاثاء 2019/12/10
أصرّت وزيرة الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، ندى بستاني، على استكمال مناقصة استيراد 150 ألف طن من مادة البنزين، رغم المخالفات القانونية التي تشوب هذه المناقصة، ورغم وضوح التساؤلات التي دارت حول ترتيب أجواء المناقصة، وتحديد الرابح مسبقاً. وتجاهلت بستاني كل ما قيل عن ثبوت علاقة التيار الوطني الحر بهذه الصفقة، وتحديداً رئيس التيار، الوزير جبران باسيل.

واذا حيّدنا المسألة القانونية وعملية "الطبخ" المسبقة للمناقصة، انطلاقاً من أن الصفقات المشبوهة باتت عرفاً تشترك فيه كل أحزاب السلطة، يبقى أمام هذه المناقصة - الصفقة، عثرات كثيرة أوقعت الوزيرة بتناقضات، ورسمت مسار البنزين قبل استيراده.

النتيجة معروفة
كان من المفترض أن تكشف بستاني نتائج العروض يوم الاثنين 2 كانون الأول، لكن تقدّم عارضين اثنين للمناقصة من أصل 14 شركة سحبت دفتر الشروط، حذا بالوزيرة إلى تأجيل فض العروض أسبوعاً واحداً، افساحاً بالمجال أمام تقدم شركات أخرى، وتأميناً لمبدأ المنافسة.


يوم الاثنين 9 كانون الأول، فُتحت عروض ثلاث شركات فقط. إذ تمكّنت شركة Oman TRADING international العُمانية من تقديم عروضها، إلى جانب شركة ZR energy وشركة Lebneft FZE (كانا قد قدّما عرضيهما الأسبوع الماضي). وبمشهدية فلكلورية، قدّمت بستاني عملية فض العروض، مؤكدة على الشفافية. وبالفعل، فُتِحت المغلّفات، وظهر أن شركة ZR energy قدمت السعر الأدنى وهو 39.70 دولار، ويشمل هذا السعر "ثمن البضاعة والتأمين عليها وسعر النقل والمراقبة في البلد الذي يتم الاستيراد منه وفي البلد الذي يستقبل البضاعة"، حسب ما تؤكده مصادر من القطاع النفطي، في حديث لـ"المدن".

السعر ليس غريباً عن أهل القطاع النفطي، وكذلك "هوية الشركة الرابحة". فالجميع كان يعلم بأن شركة ZR energy هي التي ستحصل على المناقصة، فهي التي "حصلت على مناقصة شراء الفيول. والتدقيق بتفاصيل هوية الشركة وعلاقتها مع شخصية بارزة في التيار الوطني الحر، كفيل بإزاحة كل الضبابية عن عملية التلزيم التي اتخذت صفة المناقصة". وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد تناقلت فور اعلان النتائج، معلومات تقول بأن "صاحب الشركة الرابحة هو ريمون رحمة، وهو صديق الوزير جبران باسيل. وهو استورد فيول مضروب لمعمل الذوق والجية.. وهو شريك في بنك ميد Bankmed، ومتورط بسرقة وببيع سلاح الجيش العراقي".

لا وفر بالسعر
ركّزت بستاني على عامل الكلفة المنخفضة أثناء ترويجها لمسرحية استيراد البنزين. لكن السعر الذي رست عليه المناقصة "هو سعر طبيعي جداً، وتستورد وفقه الشركات المستوردة للنفط حالياً، وليس فيه أي ميزة أو توفير"، حسب ما تشير إليه المصادر.

كما أن نسبة الـ10 بالمئة التي ستستوردها الوزارة، ستُباع حكماً بسعر السوق، وانطلاقاً من جدول الأسعار الاسبوعي الذي تعلنه الوزارة. ما يعني أن الوزارة ستلتزم بجدولها، إلا إن كانت ستضع تسعيرة لنفسها وتسعيرة مختلفة لباقي الشركات.

عموماً، لن يكون هناك وفر بسعر الكميات الجديدة، لكن بستاني أصرت على الانتظار "لنرى ما اذا كان لهذه الخطوة تأثير على السعر أم لا"، ما يعني أن بستاني تقوم بتجربة على حساب الدولة. وبمعنى أدق، تعقد الوزيرة نفقة، بمال عام، من دون نتائج مضمونة. وعليه، إن بقيت الأسعار على ما هي عليه، تكون الدولة قد خسرت مالاً من دون أي منفعة. وقانوناً، على الوزيرة تحمل الخسارة من جيبها الخاص، لأن الهدف الأساسي من إجراء المناقصة هو خفض الأسعار.

ولمزيد من الأدلة، فإن الدولة تستورد اليوم المازوت الأخضر وتبيعه بسعر السوق، ولم تحقق أي وفر وأي تخفيض للأسعار عما هو متداول بين الشركات المستوردة. فما الذي سيتغير في حال استيراد البنزين؟

علامات استفهام
سمحت بستاني بفتح العروض على الهواء مباشرة أمام الرأي العام. لكن القليل من التركيز، يدل على أن هذه الخطوة ما هي إلا محاولة غير موفقة لإلباس المناقصة ثوب النزاهة والشفافية. إذ لا يمكن ترتيب النتائج مسبقاً، والاعلان عنها لاحقاً انطلاقاً من أنها شفافة. فالشفافية تقتضي الكشف عن كافة تفاصيل المناقصة، بدءاً من دفتر الشروط الذي يُفترض الاعلان عنه أمام الملأ، خصوصاً بعد فتح العروض، لكي يتأكد الرأي العام أن الشركات التي خاضت المناقصة، وتلك الرابحة، قد سارت وفق الشروط المنصوص عنها. كذلك للتأكد من أن الشروط تضمن حق الدولة وتؤمن مصلحتها، وليس مصلحة الشركات.

أسدلت الوزيرة الستار، على المناقصة بعد إعلانها أن باخرة البنزين يفترض أن تصبح جاهزة بعد 15 يوماً. لكنها لم تطلع الرأي العام عن مكان تخزين البنزين وكلفة التخزين، وعبر أي شركات سيتم توزيعه. هل هناك شركات محددة، ام أن شراء الكميات المخزّنة مفتوح أمام أي شركة؟ وإن كان الشراء مفتوحاً، هل هناك ضوابط معينة تمنع شراء كامل الكمية من الشركات الكبرى الموجودة في السوق حالياً، فتبيعه لاحقاً مع كمياتها، وتكون بالتالي قد أخرَجَت الدولة من المعادلة؟ من أي بلد سيتم الاستيراد، وهل يشمل سعر الاستيراد الرسم الجمركي؟ هل سيتم تقديم حساب المتاجرة لديوان المحاسبة؟ 

لم تجب بستاني عن أي تساؤل. فإزاحة الغبار عن الصفقات ليس من شيم أهل السلطة الحاكمة، بل ان تكثيف طبقة الغبار والضباب هو مهنتهم، تحقيقاً لعملية التجهيل الممنهجة، وعدم اطلاع الرأي العام على الحقائق. وهذا المنهج، دفع مصادر "المدن" للشك حول امكانية "بيع كميات البنزين إلى بعض التجار العونيين أو المقرّبين من قيادات عونية بارزة، تحقيقاً لغايات انتخابية ضيقة من جهة، وضماناً لتأمين البنزين لدى تلك الفئة في حال انقطاع البنزين لسبب ما، من جهة أخرى". وبذلك يكون الفريق العوني قد "حصّن" نفسه بالبنزين، بعد أن حصّن نفسه بالفيول عن طريق الشركة الرابحة نفسها، وعن طريق تأجير الخزانات في طرابلس لشركة روسنفت الروسية، بصورة مخالفة للقانون أيضاً.

من خارج الصلاحيات
لا بد من التذكير أن منشآت النفط هي الجهة التي نفّذت بالشكل مناقصة استيراد البنزين، فيما وزيرة الطاقة هي المهندس الفعلي لها. لكن في الحالتين، لا صلاحية للطرفين في اجراء المناقصة. لكن بما أن الوزارة تؤكد أن لا علاقة لها بإجراء المناقصة، يبقى القول أن دور منشآت النفط ينحصر بإدارة وتشغيل المصافي. والعرف التجاري للمنشآت ينطبق على شراء النفط الخام وتكريره وتوزيعه، وليس اجراء المناقصات أو شراء البنزين أو الفيول. وفي حال أرادت الدولة شراء المحروقات، على المديرية العامة للنفط اجراؤها، داخل إدارة المناقصات وبإشرافها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024