مرفأ طرابلس: ممنوع من التطوير؟

جنى الدهيبي

السبت 2018/09/08

يبدو أنّ النقلة النوعيّة التي حققها مرفأ طرابلس، باستقباله أخيراً بواخر الحاويات والحبوب العملاقة التي رست للمرة الأولى على رصيفه، لم تسعفه في مواجهة عراقيل إضافيّة، تعرقل تحوله إلى مرفأ محوري في لبنان والمنطقة. ولعلّ ما صدر عن لجنة النيابية للشؤون الخارجية والمغتربين في اجتماعها الأول برئاسة النائب ياسين جابر، الأربعاء في 29 آب 2018، كان كفيلاً بتفجير الأزمة وجعلها تطفو على السطح.

اللجنة التي درست عدداً من مشاريع القوانين وأقرت مشروع قانون يتعلق بوزارة العمل وآخر يتعلق بالطيران المدني، أرجأت البحث في قرض لمرفأ طرابلس، وطلبت أن يأتي مجلس الانماء والاعمار وإدارة المرفأ بشروحات أكبر عنه. فما حقيقة ما حصل؟

قضيّة التضييق على مرفأ طرابلس، بدأت منذ أن أبلغ المجلس الأعلى للجمارك إدارة المرفأ بأنه ينوي نقل بعض البضائع إلى مرفأ بيروت، وتحديداً التي تعنى بقطع السيارات بغية الكشف عليها وتفتيشها هناك. هذا الطلب، قابلته إدارة المرفا بالرفض، وهددّت بعزمها على كشف ما يتعرض له المرفأ من اساءات كبيرة، لاسيما أنها ليست المرة الأولى التي تقدم فيها الجمارك على هذا النوع من الطلبات، ثم تتراجع عنها نتيجة الاعتراض والضغوط. وفي حديثٍ إلى "المدن"، يشرح مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر أن "معظم الشركات انتقلت حديثاً لتفريغ بضائعها من مرفأ بيروت إلى مرفأ طرابلس، بعدما ذاع صيته بسرعة التفريغ والرسوم المخفضة. وهو ما يفسر سبب طلب إعادة نقل البضائع إلى مرفأ بيروت، منعاً لمنافسةٍ تكشف ميزات مرفأ طرابلس".

وفي اتصال مع "المدن"، رفضت إدارة الجمارك التعليق على حقيقة طلبها من بعض الشركات الآتية إلى مرفأ طرابلس تفريغ بضائعها للتفتيش في مرفأ بيروت. ويوضح تامر أن المرفأ بات يعتمد جميع الوسائل الالكترونية في خدمة الزبائن وضبط حسابات المرفأ. كما أنّه أصبح يؤمن مساحات ملحوظة ومحمية لزبائن يمكن أن يُستافد منها لتخزين البضائع المستوردة أو المعدة للتصدير.

وفي ما يخص ارجاء اللجنة إقرار القرض لمرفأ طرابلس، تشير معلومات لـ"المدن" إلى أنّه خلال انعقاد الجلسة، وبعدما قدّم تامر الخرائط وعرضاً مفصلاً لشروحات مشروع القرض المقدّم من البنك الإسلامي بقيمة 86 مليون دولار، مخصصة لاستكمال مشروع البنى التحتية في المرفأ، اعترض نائب حزب الله نواف الموسوي مع عدد من نواب التيار الوطني الحر. وقد أشيع بعدها، أنّ اعتراض الموسوي كان سياسياً، لجهة أن أيّ عملية تطويرية لمرفأ طرابلس، تستوجب بدايةً فتح قنوات التواصل مع الحكومة السورية للعمل فيه، وأنّ هناك أولويةً أخرى بانشاء مرفأ دولي في الناقورة.

يستغرب تامر ما يعتبره اصراراً من اللجنة على المماطلة في إقرار القرض، علماً أنّ سداده سيكون بأموال طرابلسية ولا علاقة له بالخزينة اللبنانية، لأنّ المرفأ مستقل مالياً وإدارياً. فـ"إدارة المرفأ سبق أن تعهدت بسداد القرض من مداخيلها السنوية، وأنه لن يكلف الدولة شيئاً، فما مبرر هذه العرقلة سوى تعطيل عملية تطويره؟".

في المقابل، يوضح الموسوي، لـ"المدن"، موقفه انطلاقاً من مفهومي "الحاجة والأولوية". فـ"أيّ قرض يعرض علينا ندرسه انطلاقاً من مدى حاجتنا إليه وتقدّمه على جدول الأولويات. كيف إذا كان المبلغ بقيمة 86 مليون دولار أميركي بعدما تجاوز الدين العام 80 مليار دولار أميركي؟".

ورغم أنّ تامر يؤكد استقلاليه إيرادات المرفأ عن خزينة الدولة، يرفض الموسوي هذا المنطق، باعتبار أنّ أموال المرفأ تذهب حكماً إلى الخزينة. يقول: "الايهام بأنّ هذا المبلغ يسدده المرفأ هو مغالطة كبيرة، لأن من يسدده لاحقاً هي خزينة الدول، في الوقت الذي لا نحتاج فيه إلى إضافة أعباءٍ على الدين العام".

يسجّل الموسوي ملاحظة النواب الذين شاركوا في اللجنة، وينقل انطباعهم تجاه ما قُدّم من شروحات متعلقة بضرورة القرض وتأهيل البنية التحتية بأنها لم تكن كافيةً، ولم تجب على جميع تساؤلاتهم. مثلاً، و"بينما لم نسمع شرحاً عن الواردات التي ستلحق مرحلة صرف القرض على المرفأ، ذُكر أنّ هناك مالاً سيصرف على سكة الحديد. أين هي سكة الحديد؟ هل يعقل أن نستدين أموالاً لسكة حديدٍ ندرك مسبقاً أنّها لن تعمل؟".

يبرر تامر كلام الموسوي بأنّه لم يأخذ من أحد فرصةً للشرح والردّ والنقاش، وأنّ الهجوم عليه كان معدّاً مسبقاً، لأنّ لا نيّة بتفعيل عمل المرفأ. إلّا أنّ الموسوي، يعود للسبب الرئيسي لوجود مرفأ طرابلس، الذي أُنشئ وفقه، ليكون مرفأ ترانزيت ينقل البضائع من الأراضي السورية إلى العمق العربي. "لذلك، لا قيمة لقرضٍ ضخمٍ في ظلّ إغلاق الحدود مع سوريا، وفي الوقت الذي تعتبر فيه طرابلس أكثر المستفيدين من إعادة العلاقات السورية- اللبنانية. وأسباب اعتراضنا على صرف القرض تقنية بالدرجة الأولى، ثمّ اقتصادية، فسياسية بالمعنى التقني للكلمة وليست موقفاً ضد تطوير طرابلس، لأن هذا المرفأ يجب أن يكون مرتبطاً بأفق علاقة لبنان اقتصادياً مع سوريا. ما يجعل قرض المرفأ ليس حاجةً ضرورية ولا ملحة ولا مستعجلة، فأجلنا البحث به إلى الجلسة المقبلة، إلى حين تقديم عرض أكثر وضوحاً".

يرفض الموسوي ربط رفض قرض مرفأ طرابلس بالضغط لإنشاء مرفأ في الناقورة. "في العام 2012، طرحت على لجنة الأشغال أن ننشئ مرفأ في الناقورة، وقد اتخذت توصيةً عليه. ما جعله مطلباً في مسارٍ قائمٍ منذ ذلك العام، ونحن نتعامل مع طرابلس كما نتعامل مع صور".

ينظر الموسوي بريبة، بحسب وصفه، لما يختفي وراء توسيع مرفأ طرابلس، وأن يكون هناك نوايا مبيتة لمرفأ بيروت، لاسيما بردم الحوض الرابع الذي يبلغ عمقه 14 متراً مربعاً، وهو يعتبر أكبر حوض في شرق البحر الأبيض المتوسط. يختم بالقول: "لقد حذّرت أن الوجه الحقيقي لتوسيع مرفأ طرابلس يهدف إلى اقفال مرفأ بيروت. وهذا لا علاقة له بالبعد المناطقي أو السياسي، إنما بالترتيب الاقتصادي . مثلاً، فهمنا أن مرفأ بيروت قد يخصص للحاويات فحسب، لكننا، نريد أيضاً حوضاً عميقاً. فلماذا يقومون بردمه بينما يبتهجون بوصول أكبر باخرة إلى طرابلس؟".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024