الوزير والبطاطا المخطوفة في مرفأ بيروت

لوسي بارسخيان

الثلاثاء 2019/02/05

صباح الاثنين 4 شباط، خرجت أخيراً الشاحنات المعبأة بالبطاطا من مرفأ بيروت. لكن ما حدث من تأخير غير بريء(؟) يستحق أن يُروى ويقال.

تخلّف لبنان ثلاثة أيام عن موعد بدء تطبيق الرزنامة الزراعية مع مصر، والتي تسمح باستيراد البطاطا من 1 شباط حتى 31 آذار. والسبب، كما يؤكد ابراهيم الترشيشي، رئيس تجمع مزارعي البقاع لـ"المدن"، هو "القبض على نتائج الفحوصات المخبرية التي أجريت على عينات من أولى دفعات البطاطا المصرية المستوردة، وتأخير طرحها في الأسواق اللبنانية، وربط الإفراج عنها بإعطاء الأولوية لشاحنات مازن م. وهو أحد التجار النافذين، الذي تربطه بابن وزير الزراعة السابق غازي زعيتر شراكة تجارية، على رغم الارتفاع القياسي لسعر كيلو البطاطا محلياً، والذي يعكس نقصاً حاداً في كمياتها".

اتهام للوزير!
ظهر الجمعة في أول شباط، تفاجأ المستوردون بأن إدارة الجمارك في مرفأ بيروت لم تتسلّم نتائج العينات، المرسلة إلى المعني بمكتب وزارة الزراعة، من أجل تسليمها للجهات التي تسمح بخروج الشاحنات من حرم المرفأ. على الفور، وُجّهت الاتهامات لوزير الزراعة غازي زعيتر باحتجاز هذه النتائج في درج مكتبه، خصوصاً أن الأخير، وفقا لما تؤكده المصادر المطلعة، حاول إعطاء الأولوية لشحنة يستوردها مازن م. تقدّر قيمتها بنحو 300 آلاف دولار، والسماح لها دون سواها بمغادرة حرم المرفأ، في محاولة لاحتكار السوق المحلي، المتعطش لكل كيلو بطاطا، وبالتالي التحكم بأسعار بيعه.

منذ مساء الجمعة إذاً، فرض على الشاحنات أن "ترسو" محمّلة في أرضية المرفأ، مع ما يعنيه ذلك، وفقاً لترشيشي، من تكبيد المستوردين تكاليف إضافية تصل قيمتها إلى أكثر من مئة ألف دولار، إضافة لما يتسبب به من اكتظاظ وأزمة مرور في داخل المرفأ. هذا، في وقت كان التجّار قد دفعوا ثمن الكمية المستوردة، والتي تقدر قيمتها بخمسة ملايين دولار، وكانوا يعولون عليها في تأمين حاجة السوق بشكل متوازن، بدلاً من تشريع الأبواب على الكميات المهربة من سوريا، وأنواع فاسدة ومضروبة، لجأ إليها بعض التجّار، مستغلين حاجة الأسواق لكل حبة بطاطا، ما تسبب بانعكاس الأزمة سلبا على المستهلك بشكل مباشر.

البطاطا المصرية في مرفأ بيروت

روتين أم انكشاف صفقة؟
نفى وزير الزراعة أمام تجّار البطاطا أي محاولة لعرقلة دخول شاحناتهم، عازياً ذلك إلى تدابير إدارية روتينية. إلا أن ذلك لم يقنع التجّار، الذين يعتبرون أنهم نجحوا بعرقلة "الصفقة" هذه المرة، بعد أن كانوا، كما يؤكد الترشيشي، قد عانوا الأمرّين من احتكار أسواق البصل والثوم المستورد، خلال عامين، من دون أن يعني ذلك أنهم اطمأنوا كلياً إلى أن الوزير لن يحاول تمرير شاحنات مازن م. قبل غيرها. وعليه، تداعوا أولاً إلى اعتصام أمام مكتب وزارة الزراعة في مرفأ بيروت، ملوحين بحرقه، إذا لمسوا استمراراً لسياسة "القوطبة" على الأسواق المحلية.

الضغوط والاتهامات العلنية والضجة الإعلامية الفورية، أسفرت عن الإفراج عن شحنات البطاطا وشاحناتها لتبدأ بمغادرة المرفأ منذ صباح الإثنين إلى الأسواق.

المفارقة أن تأخير إدخال البطاطا المصرية إلى الأسواق اللبنانية، جاء خلافا لمصلحة السوق نفسه، الذي كان في السنة الماضية يئنّ من كميات كبيرة من الإنتاج المحلي غير المصرّف، ومع ذلك لم يشكل ذلك سبباً لتأخير تطبيق الرزنامة الزراعية أياماً، كما طالب تجار البطاطا حينها.

تترك هذه البلبلة المتكررة، في مسألة تطبيق رزنامة إستيراد البطاطا من مصر، تداعياتها على علاقة التبادل التجاري بين البلدين. وهو ما حاول الترشيشي بدوره أن يسوّق له، من خلال تعميمه بياناً صادراً عن تجمع منتجي ومصدري البطاطا المصرية، يلوّح بعدم تعبئة أي كيلو بطاطا إلى لبنان، ما لم يسارع المعنيون إلى معالجة الأزمة المستجدة.

الوزير الجديد
أزمة البطاطا الأخيرة، كانت بمثابة "الشعرة التي قسمت ظهر البعير" لتجعل "مصدري لبنان الزراعيين خصوصاً، يخرجون عن صمتهم على أداء "الوزير المتهم" قبل ساعات من تسليم وزارته للوزير الجديد ، متهمين إياه بالتلاعب بإجازات استيراد المانغا المصرية، والبطاطا والبصل، وحليب البودرة والأجبان والألبان، وبالاستهتار بالقطاع، وبالمنصب وبالمستهلك وبالوضع العام وبالعلاقات مع مصر.

وإذا كان سوء العلاقة مع الوزير قد دفع إلى إحجام المعترضين عن تقديم التهنئة للوزير الجديد حسن اللقيس، في مقر حركة أمل في بعلبك، تجنباً لوقوع مواجهة مع الوزير غازي زعيتر، الذي ينتمي للخط السياسي نفسه، فإنهم أملوا تعاطياً أكثر شفافية مع الوزير الجديد، خصوصاً في موضوع إجازات الاستيراد المعطاة، وفي تقديم مصلحة لبنان على مصالح التجّار بالنسبة لاستيراد بعض المنتجات، والتمسك بمبدأ "المعاملة بالمثل"، مع كل الدول التي يتبادل معها لبنان المنتجات.
مع قصة البطاطا هذه، أنهى الوزير زعيتر يومه الأخير في الوزارة!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024