كابوس رياض سلامة مستمر: آلفاريز تطرح عليه 133 سؤالاً

علي نور الدين

الأحد 2021/01/24

ليس من شيم شركات التدقيق الجنائي المرموقة، أو بالأحرى شركات التدقيق والاستشارات الماليّة بشكل عام، أن تتورّط في عقود لا تملك القدرة على تنفيذها، أو أن تنغمس على نحو متكرر في تكليفات تصل إلى حائط مسدود. ولذلك، لا يبدو أن آلفاريز آند مرسال، الشركة التي وقّعت معها حكومة دياب عقد التدقيق الجنائي السابق، ستأكل طعم قانون رفع السريّة المصرفيّة الذي أقرّه المجلس النيابي منذ حوالى الشهر. كما أصبح من الواضح أن الشركة ترفض الدخول في أي عقد جديد، قبل أن تحصل على ما يكفي من ضمانات بأن المصرف المركزي سيتجاوب معها. لسان حال آلفاريز يقول: تريدون التدقيق الجنائي كبراءة ذمّة أمام المجتمع الدولي؟ هاتوا أجوبة مكتوبة وموثّقة تؤكّد أننا سنحصل على ما يكفي من معلومات لإتمام تدقيق لا يضر بمصداقيّة شركتنا، ومن ثم يمكننا أن نوقّع عقد جديد معكم. هذه خلاصة استفسارات الشركة الأخيرة التي أرسلتها إلى وزير الماليّة.

آلفاريز تعرف ماذا تريد
بإمكان رياض سلامة، ومن يدور في فلك المصارف سرّاً أو علانية في المجلس النيابي، أن يناوروا أمام الرأي العام، حين يتم الحديث عن تقديم المعلومات المطلوبة لإتمام التدقيق الجنائي، من خلال الكلام عن حسابات مصرف لبنان التي تم تقديمها، أو حسابات الدولة التي يمكن تقديمها الآن، بعد رفع السريّة عنها من قبل وزارة الماليّة. فبعيداً عن كل التذاكي والمناورات الإعلاميّة، آلفاريز تعرف بالضبط ماذا تريد.

فبعد نشر قانون رفع السريّة المصرفيّة في الجريدة الرسميّة، راسلت وزارة الماليّة آلفاريز سائلةً عن إمكانيّة عودتها لمحاولة إتمام التدقيق الجنائي. ومشيرة إلى أن القانون بات يسمح بحصول الشركة على ما يكفي من معلومات لإتمام التدقيق. فما كان من آلفاريز إلا أن ردّت بلائحة من الاستيضاحات، التي يفترض أن تحدد إمكانيّة عودة الشركة إلى العمل مع الدولة اللبنانيّة. أسئلة آلفاريز كانت مباشرة ومحددة جدّاً، إلى الحد الذي يفرض الإجابة عليها بنعم أو لا، ما يبسّط كثيراً الصورة أمام الرأي العام، ويوضّح المطلوب لتسهيل عمليّة التدقيق.

حسابات المصارف مطلوبة
آلفاريز سألت في الاستفسارات الموجهة إلى غازي وزني بوضوح: هل يطال تعليق السريّة المصرفيّة حسابات المؤسسات الخاصّة، ومنها المصارف التجاريّة، لدى مصرف لبنان؟

لا تريد آلفاريز حسابات مصرف لبنان العامّة، التي تفاخر رياض سلامة بتقديمها إلى الشركة سابقاً، والتي يمكن الولوج إليها على موقع مصرف لبنان أو تقاريره السنويّة. كما لا تركّز عملها على حسابات الدولة، التي تحدّث سلامة عن إمكانيّة تسليمها، بعد تزويده بكتاب من وزارة الماليّة. إذ أن هذه الحسابات موجودة لدى الوزارة ويمكن الحصول عليها من هناك. آلفاريز مهتمّة بحسابات المؤسسات الخاصّة والمصارف المحفوظة في مصرف لبنان، حيث جرت الهندسات الماليّة وتراكمت الأرباح الهائلة، وحيث جرى امتصاص دولارات اللبنانيين لمصلحة المصرف المركزي، ومن بعدها تبديدها. هناك فقط، يمكن فهم طبيعة الخسائر التي تراكمت في مصرف لبنان في سنوات ما قبل الإنهيار الكبير، وتحديداً بفضل تلك الهندسات، ويمكن أيضاً فهم المستفيدين من هذه الخسائر والرابحون الكبار منها.

عمليّاً، يعكس هذا السؤال بالتحديد ارتياب آلفاريز من مبدأ رفع السريّة الذي أقرّه القانون الأخير، والذي حصر الحسابات المشمولة بالقانون بحسابات مصرف لبنان والوزارات والمؤسسات العامة والمجالس والصناديق والمصالح المستقلة، مع الإصرار على عبارة "تبقى أحكام قانون السريّة المصرفيّة سارية في كل ما عدا ذلك". مع العلم أن مقابلة سلامة، التي أكّد فيها أنه زوّد الشركة بما طلبته من حسابات المصرف المركزي، زادت من ريبة الشركة، لكون الحاكم لم يقدّم فعليّاً في ذلك الوقت حسابات المصارف التجاريّة الموجودة لديه. ما يعني أن الحاكم يفسّر مبدأ تسليم حسابات المصرف المركزي على نحو يستثني حسابات المصارف. وهذا ما تخشاه آلفاريز تحديداً.

استيضاحات أخرى
بالإضافة إلى مسألة حسابات المصارف، شملت الاستيضاحات التي طلبتها الشركة من وزير المال، قبل البت بإمكانيّة عودتها للعمل، مسائل أخرى، كاستعداد مصرف لبنان لإطلاع الشركة على هيكليّته التنظيميّة، وتوزيع الأدوار والصلاحيات ومراكز القرار في المصرف. علماً أن هذه المسألة بالتحديد غير مشمولة بقانون السريّة المصرفيّة الذي أقره المجلس النيابي، ولا ترتبط به. وفي ذلك الوقت، رفض الحاكم هذا الطلب بذريعة تناقضه مع قانون النقد والتسليف، من دون أن يوضح طبيعة المواد التي تمنع ذلك. وعلى أي حال، تمثّل هذه المعلومات حاجة لآلفاريز قبل متابعة عملها، لكونها ستحتاج إلى التحقق من مدى مطابقة القرارات الإشكاليّة التي جرى اتخاذها قبل الإنهيار المالي مع القواعد التنظيميّة في المصرف. كما تحتاجها لتحديد المسؤوليات ودراسة حالات تضارب المصالح المحتملة.

كذلك طرحت الشركة أسئلة حول مدى استعداد المصرف المركزي لتزويدها بمكتب داخل المصرف، والسماح لها باستعمال أنظمة المعلوماتيّة الداخليّة الخاصة بالمصرف. وهي مسألة رفضها الحاكم في بادىء الأمر، بذريعة عدم وجود عقد يجمعه بشكل مباشر بالشركة ويحدد مسؤولياتها وصلاحياتها. وهذه المسألة أيضاً لن يحلّها قانون رفع السريّة المصرفيّة المستجد، فيما تحتاجها الشركة للولوج إلى جميع بيانات المصرف إلكترونيّاً بحريّة، ووفقاً لما تقتضيه متطلبات التدقيق اليوميّة. كما تحتاج الشركة إلى العمل داخل مكتب في المصرف للتفاعل مع الموظفين، وتوجيه الأسئلة، والحصول على التفسيرات المطلوبة بشكل يومي.

وأخيراً، طلبت الشركة من وزير الماليّة إجابة صريحة ومباشرة، تتعلّق باستعداد الحاكم للإجابة على جميع الأسئلة التي وجّهتها الشركة سابقاً لحاكم مصرف لبنان، والتي بلغ عددها 133 سؤالاً، فيما رفض الحاكم الإجابة عن 58 سؤالاً، وأفاد بعدم توفّر إجابات على 12 من هذه الأسئلة. وعمليّاً، يمكن القول أن هذا الاستفسار سيُعد المؤشّر الأوضح بالنسبة للشركة، بخصوص إمكانية التعاون مع الحاكم لإتمام التدقيق.

عودة إلى المناورات والذرائع
وزير الماليّة طلب في ضوء أسئلة الشركة رأي هيئة التشريع والاستشارات، مع العلم أن طلب رأي الهيئة نفسه يبدو اليوم أقرب إلى تمرير الوقت، لكون الهيئة ذاتها أفتت بوجوب امتثال سلامة لمتطلبات التدقيق حتّى قبل إقرار القانون. وبالتالي، فمن البديهي أن يكون جواب الهيئة مجدداً هو نفسه. مع العلم أن سلامة رفض التجاوب مع رأي الهيئة السابق، لكون إجابات الهيئة تُعد إستشاريّة وغير ملزمة بالنسبة له. وهو ما يعني أن رأي الهيئة الجديد لن يغيّر شيئاً في سلوك سلامة. أما الحجّة الجديدة التي يتوقّع الجميع استعمالها اليوم من قبل سلامة، فهو إشارة قانون رفع السريّة المصرفيّة إلى إجراء التدقيق في مصرف لبنان بالتوازي مع مؤسسات الدولة الأخرى، ما يعطي رياض سلامة أو من يقف خلفه حجّة لعرقلة إعادة إطلاق التدقيق في المصرف المركزي، طالما أنّ التدقيق لم ينطلق بعد في المؤسسات العامّة الأخرى.

في كل الحالات، لا تنتهي الذرائع التي يمكن استعمالها اليوم لعرقلة التدقيق الجنائي من جديد. فبالإضافة إلى تقصّد تفادي ذكر حسابات المصارف في القانون، وزرع لغم "توازي" هذا التدقيق مع التدقيق في مؤسسات الدولة الأخرى، ثمّة أبواب أخرى يمكن استخدامها للعرقلة، كمسائل العمل من داخل المصرف، والولوج إلى نظامه الإلكتروني، ومعرفة تفاصيل هيكليّة مصرف لبنان التنظيميّة.. وهي أمور رفضها الحاكم سابقاً ولم يبت بها أي قانون جديد. أمّا أهم باب للعرقلة اليوم، فهو إمكانيّة إحالة الموضوع بأسره إلى عقد جديد كليّاً، يوسّع التدقيق ليشمل مؤسسات أخرى غير مصرف لبنان، وهو ما سيعني حكماً انتظار تشكيل الحكومة الجديدة، وانتظار ما ستنتجه هذه المسألة من مكائد سياسيّة يمكن أن تطيح بمسار التدقيق بأسره.

وبإنتظار معرفة الإجابات على كل هذه التساؤلات، سيلعب حاكم مصرف لبنان لعبته المفضلة: شراء الوقت. خصوصاً أن كل تمرير للوقت في هذه المرحلة سيعني حرق فترة إضافيّة من فترة رفع السريّة المصرفيّة التي نص عليها القانون الجديد، ما يعني تقليص المهلة التي ستملكها شركة التدقيق الجنائي لإتمام عملها. أما أكثر ما يخيف الحاكم اليوم، فهو إمكانية أن ينطلق التدقيق الجنائي الحقيقي في الخارج وليس في لبنان، خصوصاً أن ملفّاته في أوروبا قد فُتحت على مصراعيها، ومن باب التفتيش عن الأرباح التي حققها في مرحلة 2016 وما قبلها، أي مرحلة الهندسات الماليّة بالتحديد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024