الزراعة والصناعة.. قطاعان منهكان ووزارتان غائبتان

عزة الحاج حسن

السبت 2016/12/31

تتلقى القطاعات الإنتاجية ضربات داخلية وخارجية منذ سنوات، دفعت بها إلى تكبّد كثير من الخسائر المادية، وسط عجز الحكومات المتعاقبة والوزارات المعنية عن حمايتها وتدعيم عمليات الإنتاج والتسويق عموماً.

إذا استثنينا أحد الخروقات التي سجّلتها وزارة الصناعة أخيراً، والتي تمثّلت بمشروع إقامة 3 مناطق صناعية، يمكن وضع قطاعي الزراعة والصناعة في لبنان في خانة القطاعات "المُهملة" والمعرّضة لمزيد من الدمار.

ونظراً إلى كون  قطاع الزراعة في لبنان يسهم بنحو 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظّف نحو 10% تقريباً من اليد العاملة اللبنانية، ويسهم القطاع الصناعي بنحو 7.5% من الناتج المحلي ويوظف نحو 140 ألف عامل أي ما يعادل 25% من اليد العاملة المحلية، يصبح من المرجّح أن يسهم قطاعا الزراعة والصناعة بأضعاف مساهمتهما الحالية في حال خضعا لعملية إصلاح حقيقي وخطط تنموية.

لطالما عانى القطاع الزراعي من أزمات تتعلّق غالبيتها بصعوبة التسويق والتصريف والعجز أمام منافسة منتجات مستوردة تُغرق الأسواق اللبنانية، وكان آخر الأزمات، إغلاق معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن عام 2015. ما أدى إلى تراجع الصادرات الزراعية نحو 50% خلال شهرين، وتراجع حجم النقل البري نحو 87%، قبل أن يتوقف نهائياً في وقت لاحق، إذ كانت تمر عبر هذا المعبر النسبة الأكبر من الصادرات إلى الدول العربية، وتحديداً دول الخليج. ما فاقم صعوبة تصريف الإنتاج. وتُضاف إلى ذلك التقلبات المناخية غير المسبوقة العام الماضي، التي أدت إلى خسائر في الإنتاج راوحت بين 50 و60%.

مهما كانت نيّة وقدرة وزارة الزراعة فإنها لن تتمكّن من تغيير واقع جانب من الأزمات، ولاسيما المتعلّق منها بالمناخ وبإقفال المعابر البرية، ولكن عليها إخراج القطاع الزراعي من دائرة العلاجات غير المدروسة حيناً والمؤقتة أحياناً.

فالحلول التي طُرحت في الفترة الأخيرة والتي باشرت وزارة الزراعة تنفيذها خلال العام 2016 هي دعم التصدير البحري للمنتجات الزراعة، ولكن الوزارة غفلت عن ضبطها فتحوّلت عملية الدعم إلى احتكار التصدير من قبل كبار التجار على حساب المزارعين بالإضافة إلى تجاوز تكلفة التصدير البحري أضعاف تكلفة التصدير البري. ما أدى إلى عجز المزارعين عن التصدير.

وقد تلا انقطاع الشريان البري للتصدير، انقطاع شريان اليد العاملة الرخيصة، بسبب الاجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية تجاه اللاجئين السوريين في لبنان، والتي قلّصت اليد العاملة السورية في السهول اللبنانية بنسبة تراوح ما بين 50 إلى 60%. ما رفع كلفة الإنتاج في مقابل تراجع التصريف.

وأمام أزمة تصريف الإنتاج الزراعي، ما كان على وزارة الزراعة سوى اعتماد حل مؤقت "كما جرت العادة" وتأمين دعم مالي مباشر لمزارعي التفاح، ما فتح الباب أمام بقية المزارعين لطلب دعم مالي والتعويض عن خسائرهم.

وليس القطاع الصناعي بأفضل حال من الزراعي، فهو يعاني من كلفة الإنتاج المرتفعة الناجمة عن ارتفاع سعر الأرض وكلفة الطاقة الكهربائية والمحروقات (المازوت، الفيول والغاز)، وكلفة العمالة وبيروقراطية المعاملات وتشابك الصلاحيات، وكلفة المواد الأولية والآلات الصناعية التي اغلبها مستورد.

والأخطر من ذلك، يعاني القطاع الصناعي من إغراق الأسواق وعدم قدرته على المنافسة وانفتاح الحدود من دون ضوابط أو شروط تسهم في حمايته من المنافسة غير المتكافئة. وكل ذلك ناجم عن السياسات الإقتصادية والاتفاقات التجارية التي وقعها لبنان مع دول عربية وغربية، لم ينل منها إلا نقصاً في الصادرات وارتفاعاً في الواردات.

ينتظر القطاع الصناعي من الحكومة ووزير الصناعة، حلولاً أو محاولة صوغ حلول لعل أبرزها الحوافز المالية والضريبية للصناعات، واستحداث مناطق صناعية، (وهو المشروع الذي باشرت بتنفيذه وزارة الصناعة)، إضافة إلى عنصر أساسي هو ضرورة اتخاذ التدابير الحمائية من خلال التفاوض مع شركاء لبنان التجاريين لتطوير وتعديل الاتفاقيات القائمة، وبالتالي حماية أسواقه من الإغراق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024