ها هي المصارف التي "هرّبت" أموالاً إلى الخارج

أكرم حمدان

الخميس 2020/02/20
أتحفتنا هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، المؤلفة وفقاً لأحكام القانون رقم 44/2015 (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب)، ببيان سردت فيه كيف أنها تلقت طلب مساعدة قضائية من النائب العام التمييزي بتاريخ 2\1\2020 بهدف مخاطبة "FIU" سويسرا، لمعرفة حجم الأموال التي تم تحويلها منذ 17/10/2019، والإفادة عما إذا كان مصدر الأموال مشبوهاً أم لا.

وتحدث البيان عن عقد اجتماع للهيئة بتاريخ 9/1/2020، والطلب إلى جميع المصارف العاملة في لبنان إعادة دراسة الحسابات المفتوحة لأشخاص معرضين سياسياً، والتي جرت عليها تحاويل إلى خارج لبنان من تاريخ 17/10/2019 لغاية 31/12/2019، وتحديد مصدر الأموال المودعة فيها، وإفادة الهيئة في حال وجود أي شبهة على الحسابات.

وأشار البيان إلى أنه وبعد ورود أجوبة المصارف، قرّرت الهيئة بتاريخ 6/2/2020 الطلب من المصارف المعنية الإفادة خلال مهلة أسبوع من تاريخ تبلغها القرار، عن حجم المبالغ وعدد الحسابات والعمليات التي حولت الى الخارج.

وتحدث البيان عن أن هذا الموضوع قيد المتابعة، من قبل وحدة المدققين والمحققين لدى الهيئة، التي تقوم بتقييم وتحليل المعلومات المتوفرة، وفقاً للمعايير والأصول المعتمدة. وبعد استكمال أعمال التدقيق والتحليل التي تجري بشكل حثيث وبالدقة المطلوبة، ترفع الهيئة نتائج التحقيقات التي توصلت إليها إلى النائب العام التمييزي لاتخاذ الإجراءات المناسبة.

الرئيس برّي والوزيرة والنائب العام
وللمصادفة، تزامن صدورهذا البيان مع طلب وزيرة العدل ماري كلود نجم، من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، التوسع في التحقيق، والطلب من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، تزويده بكل ما تملك من معلومات عن كل التحويلات المالية من لبنان إلى الخارج، وعدم حصرها فقط بما تم تحويله إلى سويسرا،على أن يشمل التحقيق عمليات التحويل كلها، إبتداء من الأول من شهر تموز 2019، أي قبل ثلاثة أشهر من بداية الانتفاضة.

كما جاء توقيت البيان بعد مرور أسبوعين على العاصفة التي كان أطلقها رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، خلال لقاء الأربعاء النيابي الأسبوعي، والتي أشار فيها إلى أن خمسة مصارف قام أصحابها بتحويل 2.3 مليار دولار من أموالهم الشخصية إلى الخارج.

وبعد مرور أسبوعين على حديث للقاضي عويدات،عن تسلمه حينها جواباً لكتابه الذي وجهه إلى لجنة الرقابة على المصارف، والذي كشف عن تحويل مليارين و276 مليون دولار من حسابات أشخاص من مصارف لبنانية إلى عدد من البنوك السويسرية، وإحالة نسخة من هذا الكتاب إلى هيئة التحقيق الخاصة ومكافحة تبييض الأموال في مصرف لبنان، لإجراء تحقيقاتها في الأمر، وتحديد أسماء أصحاب هذه المبالغ، ومصادر الأموال وما إذا كانت مشبوهة أم لا.

وعلى الرغم من محاولات التلطيف والتوضيح، التي أدلى بها في حينها رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، لجهة القول بأن "ما ورد من معلومات عن أن التحاويل بمبلغ 2.3 مليار دولار تعود إلى أصحاب المصارف في لبنان، هوكلام غير دقيق ومغلوط، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة"، فإن حمود أكد في الحديث ذاته أن المصارف كلها، وليس خمسة منها فقط، قامت بتحويل ما يقارب هذا المبلغ إلى مصارف في سويسرا، خلال الفترة الممتدة من 17 تشرين الأول 2019 وحتى 10 كانون الثاني 2020، وتم سحبها من المصارف اللبنانية كافة.

المصارف الستة.. وغيرها
وعطفاً على ما تقدم، فإن الثابت هو أن عمليات التحويل قامت بها المصارف بمعزل عن عددها. وهذه المصارف نفسها تقوم بإذلال اللبنانيين للحصول على بعض الفتات من ودائعهم، ولا سيما أصحاب الودائع الصغيرة، علماً أنها حقهم البديهي.

وآخر إبداعات بعض هذه المصارف، ما قام به بنك عودة، لجهة التوقف عن دفع أي مبلغ للمودعين بالدولار الأميركي. وهو ما حصل مع أكثر من مودع، وفي أكثر من فرع، رغم بيان النفي الذي أصدره والذي يؤكد المؤكد بالوقائع.

وبعد متابعة حثيثة وتقصي للمعلومات، علمت "المدن" من مصادرمتابعة لهذا الملف، أن بعض المصارف التي حولت أموالاً إلى الخارج وبمبالغ ضخمة هي: عودة، البحر المتوسط، لبنان والمهجر، فرنسبنك، سوسيتيه جنرال وIbl.. وربما غيرها من المصارف أيضاً، ممن لم نتمكن من معرفة أسمائها.

وعليه، وبمعزل عما إذا كان مبدأ تحويل الأموال ليس جرماً، بالمفهوم القانوني، أو حتى التهرب عند حصول الأزمات، إلا أن هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة واضحة ومحددة ومنها:

إذا كان لا يوجد قانون يمنع المصارف من تحويل الأموال، كما قال حاكم البنك المركزي، رياض سلامة، في إحدى الجلسات أو الاجتماعات، فأين القانون الذي يسمح بتقييد السحوبات للمودعين وإذلالهم؟

ولماذا اعتمدت المصارف أسلوباً غير قانوني في حجب الودائع عن أصحابها، ودفعها بالقطارة، وخصوصاً لصغار المودعين، ولم تعتمد هذا الأسلوب على أصحاب المليارات، الذين أخرجوا أموالهم خارج لبنان؟

كذلك، فمن هم هؤلاء الذين حولوا الأموال؟ ومن تواطأ معهم؟ 

حق الرأي العام
يقول المحامي علي زبيب لـ"المدن": "إن الجانب القانوني يُركزعلى الشخصيات التي تعمل في الحقل العام، والتي تتولى مسؤوليات ومناصب رسمية، والتحقق مما إذا كانت أموالها التي جنتها لا تتناسب ومدخولها الوظيفي". ويُشير زبيب إلى أنه "إذا ثبت أن أصحاب المصارف من قام بتحويل الأموال، فهم أولاً أمام مسؤولية أخلاقية ومن ثم قد يُشكل هذا العمل مدخلاً لدعوى قانونية بحقهم على خلفية أنهم يحتجزون أموال الناس ويُهربون أموالهم".

تبقى الإشارة أخيراً إلى أن المطلوب من هيئة التحقيق الخاصة إعلان ما توصلت إليه من معطيات ومعلومات أمام الرأي العام اللبناني، لأن من حق اللبنانيين معرفة الحقيقة ولأن كل مواطن صاحب صفة ومعني بهذا الأمر.

كما أن المطلوب من الحكومة والسلطات المسؤولة الإسراع في إتخاذ خطوات رادعة بحق المصارف وما تقوم به خصوصاً تجاه صغار المودعين، بمعزل عما إذا كانت هذه المصارف قد بدأت تُمهد لعمليات الدمج أم لا.

أيضاً، قد يكون مهماً الكشف عن أسماء المصارف التي حوّلت الأموال.. لكن الأهم أن نعرف أين تبخرت أموال الدولة والمواطنين وودائع المصارف.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024