فتح مرفأ بيروت يوم الأحد: قرار متسرّع وشعبوي

عزة الحاج حسن

السبت 2019/03/16
بدأت تتجلى اندفاعة غالبية الوزراء، والحكومة عموماً، لتحقيق تقدم إصلاحي، وفاءً لوعود تتجاوز سرعة الإنجازات. فدأب  البعض إلى اتخاذ قرارات سريعة غير مدروسة، وإن كانت ذات جدوى اقتصادية في الظاهر، إلا أنها بمضمونها لا تتعدى الإنجازات الشعبوية الفارغة، لاسيما حين تغيب عنها الآليات التنفيذية.

ترحيب صناعي
وهنا نتحدث عن قرار اتخذه وزراء الصناعة، وائل أبو فاعور، والمال، علي حسن خليل، والأشغال، يوسف فنيانوس، الأسبوع الفائت، يقضي بتمديد دوام عمل الجمارك اللبنانية، وفتح مرفأ بيروت يومي السبت والأحد. وذلك بهدف تخفيف الأعباء المترتبة على القطاعات الإنتاجية، والناتجة عن تأخر إخراج واستلام البضائع من المرفأ.

القرار يعكس، من دون شك، مساعي الوزير أبو فاعور لإنقاذ القطاعات الإنتاجية من الظلم اللاحق بها، لاسيما القطاع الصناعي، ودعمه في وجه المنافسة غير المتكافئة، التي يتعرض لها، والضرر الناتج عن الاتفاقيات الدولية، الجائرة بحق الصناعة اللبنانية. وقد لاقى القرار، بطبيعة الحال، تأييداً تاماً من جمعية الصناعيين وكافة القطاعات الإنتاجية، باعتباره يشكل إحدى الخطوات الضرورية، لتفعيل القطاعات وتسهيل عملها.

رفض الشاحنات
مرفأ بيروت يعمل حالياً يوم السبت، والمقصود بالمرفأ هنا، العمال والموظفين، في محطات المستوعبات والإهراءات وإدارة مرفأ بيروت وغيرهم.. وجميعهم ينطبق عليهم مبدأ الجهوزية التامة، وفق المادة 56 من الفقرة "ب" من عقد العمل الجماعي النافذ، الذي ينص على "تأمين الجهوزية المستمرة للعمل خارج الدوام، والمداورة خلال أيام الآحاد والأعياد"، كما يشمل المرفأ أيضًا إدارة الجمارك. وهي جهاز ذات طابع عسكري، من الأجهزة المتفرغة في الدولة، بمعنى أن جميع العاملين في مرفأ بيروت على استعداد لتأمين العمل يوم الأحد. وهو ما تم التأكيد عليه بين وزراء الصناعة والمال والأشغال. لكن ماذا عن عمل الشاحنات العمومية في مرفأ بيروت يوم الأحد؟

"الشاحنات العمومية، العاملة في مرفأ بيروت، لن تعمل يوم الأحد. ولا يمكن لأي كان أن يفرض عليها دوام محدد. وهي ملك خاص لأصحابها". هكذا، حسم رئيس نقابة مالكي الشاحنات العمومية في مرفأ بيروت، عيد ضو، في حديثه إلى "المدن"، موقف أصحاب الشاحنات من قرار فتح مرفأ بيروت يوم الأحد: "وأقسى ما يمكن أن تقدمه نقابة الشاحنات، هو الإلتزام بدوام يوم السبت، مع الاستمرار باعتبار الأحد يوم عطلة".

ضو تجاوب مع مساعي الاتحاد العمالي العام، لعدم عرقلة قرار فتح المرفأ طيلة أيام الأسبوع، وفق تأكيد رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، في حديثه إلى "المدن"، في سبيل إسقاط مقولة استغلال المرفا لتخزين البضائع. لكن هناك ما يشكل عائقاً آخر أمام عمل الشاحنات يوم الأحد، الى جانب رفضها تنفيذ القرار.

قرار يُسقط آخر
ولعل العائق الأبرز أمام عمل الشاحنات العمومية، في مرفا بيروت، يوم الأحد، هو منع وزارة الداخلية سير الشاحنات ابتداءً من ظهر يوم السبت (الساعة 12 ظهراً) وحتى منتصف ليل الأحد (12 ليلاً)، حرصاً على السلامة العامة. بمعنى أن الشاحنات لا يمكنها إخراج البضائع من مرفا بيروت إلى المصانع والمؤسسات، والسوق عموماً، يوم الأحد. وإذا استثنينا عمل الشاحنات، وإخراجها البضائع من المرفأ، تنتفي أهمية عمل المرفأ يوم الأحد، لاسيما أن القرار اتُخذ لتخفيف ضغط التخزين في المرفأ، وتسهيل عمل المستوردين والصناعيين وغيرهم. والنتيجة أن قرار الداخلية يُسقط قرار عمل المرفأ يوم الأحد.

أسباب أخرى تدفع أصحاب الشاحنات إلى رفض العمل يوم الأحد، تتجلى في تراجع حجم الأعمال في المرفأ نحو 30 في المئة، عما كانت عليه في السنوات الماضية. إذ لا يتعدى عدد المستوعبات (الكونتينر) يوم السبت الـ80 كونتينر فقط، وخلال الأسبوع لا يتعدى عددها 650 إلى 700 كونتينر كحد أقصى، في حين أن العدد وصل في السنوات الماضية إلى 1200 كونتينر في اليوم الواحد، فكيف يمكن للشاحنات، وفق ضو، أن تتكبد تكاليف سائقين وتأمينات، لا يعوضها حجم الأعمال يوم الأحد.

"إذا ما اشتغلنا ما حدا بيقدر يشتغل"
لا يمكن أن يُستهان بقرار الشاحنات العمومية في مرفأ بيروت. فهي تشكل العنصر الأساسي الرابط بين البضائع المتواجدة في المرفأ وبين السوق. وتمسك مالكي الشاحنات العمومية بعطلة يوم الأحد، يعني عدم وضع قرار فتح مرفأ بيروت يوم الأحد موضع التنفيذ، فلا يمكن تطبيق القرار من دون مشاركة الشاحنات. وهو ما عبّر عنه ضو بالقول "إذا ما اشتغلنا ما حدا بيقدر يشتغل".

من هنا، يبقى قرار عمل مرفأ بيروت يومي السبت والأحد غير ذي جدوى، من دون وضع آليات تنفيذية له، تسهل تنفيذه وتضمن مشاركة كافة القطاعات وفئات العاملين في المرفأ. فتسهيل عمل المصانع والمؤسسات اللبنانية لا يتم بالقرارات فقط بل بضمان تنفيذها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024