الاقتصاد اللبناني "يستفز" فرنسا!

خضر حسان

الثلاثاء 2019/03/05
ليست مصادفة تزامن زيارة الموفد الفرنسي، المكلف متابعة عملية تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر"، بيار دوكان، مع النظرة السلبية المستقبلية للاقتصاد اللبناني من قِبَل وكالات التصنيف. ذلك أن الحكومة اللبنانية منذ تشكيلها مطلع العام الجاري، لم ترسل إشارات مطمئنة للمجتمع الدولي، حيال سيرها بأسرع ما يمكن بإتجاه الخطوات السياسية والقانونية المطلوبة، لتنفيذ الإصلاحات المقررة في مؤتمر "سيدر"، والتي بموجبها سيحصل لبنان على 11 مليار و500 مليون دولار.

القلق الفرنسي
ليست المرة الأولى التي يزور فيها دوكان لبنان، لكنها المرة الأولى التي يحث فيها الحكومة، بلغة حازمة، على عدم تضييع الوقت، وإبداء جديّة في إجراء الإصلاحات المطلوبة، ليس خوفاً من تضييع الأموال، وإنما رغبة من المجتمع الدولي في مساعدة الاقتصاد اللبناني، عبر القروض التي ستُمنح بموجب سيدر. وفي السياق، كان دوكان قد أكّد في تشرين الأول 2018 أن الدول التي أبدت رغبتها بمساعدة لبنان، لن تسحب تعهدها بالمساعدة.

وقد حاول دوكان، خلال زيارته، حثّ الأطراف اللبنانية على جديّة العمل، مؤكداً خلال لقائه وزير المال علي حسن خليل ضرورة "تقديم موازنة العام 2019 بشكل سريع. وعلى الموازنة أن تلحظ خفض العجز، بما لا يقل عن واحد في المائة من إجمالي الناتج المحلي". واعتبر دوكين في لقاء مع رئيس الوزراء، سعد الحريري، أن قيام لبنان بالإصلاحات هو تطبيق لما اتُفق عليه في سيدر، واصفاً المؤتمر بأنه "نوع من العقد بين لبنان، بسلطاته وشعبه، وبين المجتمع الدولي، ويقوم على ثلاث دعائم: برنامج بنى تحتية مفيد جداً لهذا البلد، التمويل الذي تم التعهد به لهذا البرنامج بقيمة 11 بليون دولار، والإصلاحات لتنفيذه".

إلى ذلك، تكتسب الزيارة أهميتها من عنصرين، الأول عام، ويتعلق برغبة المجتمع الدولي في إنجاح مبادرته، وتعميم ثقافة الإقراض لتنفيذ المشاريع الاقتصادية، في الدول التي تحتاج إلى المساعدة، والثاني خاص يتعلق برغبة فرنسا في الإبقاء على صورتها، كراعية للبنان وكمشاركة في حل الأزمات السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، ناهيك بأن مؤتمر سيدر جرى على الأراضي الفرنسية، وإيصاله الى خواتيم سعيدة أمرٌ إيجابي لفرنسا.

خفض التصنيف الائتماني
يعرف الفرنسيون أن الطريقة التي تُدار بها الملفات السياسية والاقتصادية في لبنان، لا توصل البلاد سوى إلى هاوية لا تُحمد عقباها. ويدعم الفرنسيون معرفتهم، بالتقارير الصادرة عن المرجعيات الاقتصادية الدولية، سواء البنك الدولي أو وكالات التصنيف، التي تؤكد مؤشراتها الاتجاه السلبي للتصنيف الائتماني السيادي للبنان، وهو ما سجّلته وكالة ستاندرد أند بورز، حيث أبقت على تصنيف لبنان عند B-، لكنّها خفّضت النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية. كما أن تصنيف وكالة موديز للبنان يقف عند علامة CAA1، وهو مؤشر سلبي. وتزداد السوداوية مع إحتمال خفض التصنيف مجدداً، في شهر نيسان المقبل، في حال بقي أداء الحكومة على حاله. وانخفاض التصنيف يؤثر سلباً على جذب الاستثمارات الخارجية، وعلى ثقة المجتمع الدولي في الاقتصاد اللبناني.

زيارة ماكرون
تُبادلُ أطراف السلطة اهتمام المجتمع الدولي بإنجاح مؤتمر سيدر، بإهمال واضح. فهي تخصص الوقت الأكبر للمناكفات السياسية الداخلية، التي ترفع مستوى الانقسام داخل الحكومة، وترجّح بذلك عرقلة المشاريع الإقتصادية، بما فيها تلك المطلوبة كإصلاحات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، إصلاح قطاع الكهرباء. وبغض النظر عن تأييد أو معارضة خبراء الاقتصاد لتلك الإصلاحات، إلا أن الإيفاء بالوعود اتجاهها أمر مطلوب، لأنه يعكس تمسك الحكومة بما ورد في بيانها الوزاري الذي نالت على أساسه الثقة.

لا تكترث الحكومة إلى ان إهمالها ليس فقط رسالة اقتصادية إلى المجتمع الدولي ووكالات التصنيف، بل هو أيضاً رسالة ترحيب غير سارّة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يعتزم زيارة لبنان في وقت قريب، لم يُحدَّد بعد. والزيارة ستكون على ضوء التقرير الذي سيرفعه دوكان إلى ماكرون، يفنّد فيه مجريات الجولة اللبنانية، ومن الطبيعي أن يتخذ الرئيس الفرنسي موقفه من لبنان والحكومة، على هَدي التقرير.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024