الإثنين
2013/04/08
ابتسامة عريضة على الوجه. دقات القلب تتسارع. فرقة الدبكة تتراقص. العيون تلمع. "زغرودة" لبنانية أصيلة. تصفيق. تهليل. تصفير. تبريك. تكبير... الله أكبر، أصبح لبنان بلداً نفطياً. دخل اللبنانيون نعيم الرفاهية. لا تعليم مكلف بعد اليوم. لا تشرّد للمسنين على طرقات لبنان. لا هجرة. لا ذل على أبواب المستشفيات. سيصبح لدينا قطار سريع. تكبير مرة أخرى... الله أكبر. لا دموع بعد اليوم.
زفّها وزير الطاقة والمياه جبران باسيل في الحملة الإعلانية لوزارة الطاقة والمياه: "الخير كلّو عنا". إعلانات الوزارة تلف طرقات لبنان. الشعب اللبناني يبدو سعيداً جداً في الصور المخصصة للإعلان هذا. 5 عبارات مكتوبة على اللوحات الإعلانية تبدأ بجملة: "بلدنا صار عندو نفط"، و"بدء التنقيب عن النفط والغاز"، وتحت هاتين الجملتين يتم إسقاط الوعود: "تطوير شبكة المواصلات". "تسليح ودعم الجيش". "تعليم مجاني، ضمان شامل، ضمان للشيخوخة". "أنا وولادي باقيين ببلدنا". "أنا مستقبلي بلبنان". "أنا راجع اشتغل بلبنان".
هكذا إذن، مطالب اللبنانيين ستتحقق بعد أن يتدفق النفط في بحرهم وبرّهم. ولكن، هل النفط كان العائق أمام عدم تنفيذ هذه المطالب من قبل الحكومات السابقة والوزراء السابقين؟ وهل النفط والغاز سيحقق كل الأحلام؟ لنمحّص ونتفحّص وننقب سوياً عن الحقيقة:
1- في ما يتعلق بشبكة المواصلات: تم إعداد خطة النقل في العام 2004، وعرضها وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي على مجلس الوزراء في العام 2010، ولا تزال حتى اللحظة بلا إقرار. حجة الحكومات المتتالية في عدم إقرار الخطة كانت في البداية خصخصة قطاع النقل، لتصبح في ما بعد كلفة تمويل الخطة. لكن، تبين أن الحكومة تدفع أكثر من 500 مليون دولار سنوياً كأكلاف نقل للقطاع العام وخطط دعم فاشلة للسائقين، في حين أن شراء أسطول الأوتوبيسات، وهو مدخل خطة النقل، يكلف 54 مليون دولار. بالتالي التمويل ليس هو السبب، والنفط والغاز ليسا الحل، فالمستفيدون من غياب خطة النقل هم قلة من مستوردي السيارات، كارتيل استيراد النفط، أصحاب شركات النقل الخاص ومن هدر المال العام ويقوم بالصفقات في الجهات المعنية. ولدى البحث عن هوية هؤلاء، يتبين أن معظمهم إما سياسيون، أو أتباع وممولون للسياسيين. المشكلة إذن في النظام.
2- في ما يتعلق بالتعليم المجاني: تنفق الدولة اللبنانية أكثر من 350 مليار ليرة لدعم المدارس الخاصة من الموازنة العامة، في حين خصصت أقل من 27 مليار ليرة لتطوير التعليم الرسمي. فهي تنفق 167 مليار ليرة لدعم المدارس المجانية الخاصة، وهذه المدارس بمعظمها تابعة للزعامات السياسة والطوائف وحتى أن بعضها وهمي. في المقابل، حوالي 85% من موظفي القطاع العام يتمتعون بمنح تعليمية لإدخال أولادهم إلى المدارس الخاصة. بذا، تدعم الحكومة المدارس الخاصة بقيمة 150 مليار ليرة على أقل تقدير سنوياً. حتى لو كان الغاز والنفط، المشكلة ذاتها ستكون موجودة، ومن الممكن ان تتوسع. المشكلة إذن في النظام.
3- في ما يتعلق بالضمان الشامل وضمان الشيخوخة: يعتبر الإنفاق على الصحة في لبنان من الأعلى عالمياً. وحوالي 80 في المئة من هذا الإنفاق هو من جيب اللبنانيين. ويعتبر أكثر من نصف اللبنانيين خارج أي تغطية صحية. في المقابل تستحوذ المستشفيات الخاصة على 75% من الإنفاق العام على الصحة. وتشير الدراسات إلى أن الحكومة تدفع حوالي 900 مليار ليرة لتمويل الإنفاق العام على الصحة، في حين أن تحقيق الضمان الشامل يكلف 1850 مليار ليرة. وقد تم طرح فكرة الضمان الشامل خلال السنوات الماضية، إلا أن تقسيم المرافق العامة وتحويلها إلى ملكيات خاصة لزعماء الأحزاب، أدى إلى رفض مطلق لفكرة الضمان الشامل.
أما ضمان الشيخوخة، الذي يتم بحثه منذ أعوام، وأقرته الحكومة في العام 2004، فقد علق في رئاسة مجلس النواب، ومن ثم تم سحبه من النقاش كلياً. السبب هو الخلاف على مسألة أن يكون ضمان الشيخوخة صندوقاً مستقلاً عن الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، أو جزءاً من الصندوق القائم حالياً.
رُفض الضمان الشامل وضمان الشيخوخة من قبل رئيس حركة أمل نبيه بري تحديداً، وقبلت القوى السياسية كافة هذا الرفض، فهذه القوى تريد ان تحافظ على "ملكياتها الخاصة" أيضاً في المرافق العامة الأخرى. المشكلة إذن في النظام.
في ما يتعلق بالهجرة وإيجاد فرص العمل:
الهجرة ليست ترفاً، خصوصاً في لبنان. إذ تشير غير دراسة إلى أن الأسباب السياسية والأمنية وتركيبة الإقتصاد اللبناني التي تدفع إلى البطالة ولا تؤمن سوى 16% من الوظائف المطلوبة (دراسة للبنك الدولي نشرتها جريدة "الأخبار" الإثنين) هي أسباب أساسية تدفع نحو الهجرة. ويقترح عدد من الخبراء في ورشة عمل أقامتها الأونيسكو مثلاً أن الحلول لخفض معدلات الهجرة هي "إلغاء الطائفية، القضاء على الفساد، توفير بيئة اجتماعية وسياسية واقتصادية قادرة على استيعاب قدرات الشباب". ولم يذكر أي منهم لا الغاز ولا النفط. خصوصاً أن اكتشاف "الذهب الأسود" لن يغيّر طبعاً من مفهوم ترسيخ الإقتصاد الريعي تحت شعار الإقتصاد الحر، وإنما سيزيده عمقاً وتمدداً. المشكلة إذن في النظام.
4- في ما يتعلق بالأمن: كيف للنفط والغاز أن يعيدا الأمن إلى لبنان؟ كيف للأم ان تقف بثقة وتقول كما يظهر في إعلان وزارة الطاقة: "أنا وولادي باقيين ببلدنا". كيف للشاب والفتاة أن يرفعا صوتهما بتحد ويقولا: "أنا مستقبلي بلبنان" و"أنا راجع اشتغل بلبنان"؟ كيف، والسياسيون كلهم كالديوك المستشرسة على دجاجة بيّاضة واحدة اسمها الشعب اللبناني؟ كيف اذا كانوا يريدون من لبنان كانتونات طائفية ومذهبية يحكمها قانون أرثوذكسي تقسيمي؟ كيف، ولجنة إدارة قطاع النفط نفسها استغرق تشكيلها سنتين كاملتين بسبب الخلاف بين زعماء الطوائف حول المحاصصة وتوزيع أعضاء الهيئة على 6 مذاهب بدلاً من تعيينهم وفق كفاءاتهم وخبراتهم العلمية؟