خضر حسان
ليس انتهاء العقود بحد ذاته هو جوهر المشكلة، بل المخالفات التي تتضمّنها عملية التعاقد، وآلية إدارة المشروع ومصير الأموال المُحَصَّلة من خلاله. تتمّ عملية التعاقد بين الشركات وهيئة إدارة السير. وهذا يمثِّل أوّل المخالفات القانونية. إذ يُفتَرَض إجراء المناقصات عبر إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، طالما أنَّ هيئة إدارة السير "لا شخصية معنوية لها، ولا موازنة"، وفق ما تقوله مصادر متابعة للملف. وتحت هذا العنوان، يتحكَّم وزير الداخلية بشكل أساسي في ملف التلزيمات. ولا ينفصل عنه تماماً باقي أطراف المنظومة، الذين يحاولون الدخول على الملف، إما للاستفادة من التلزيمات أو لتسجيل مواقف سياسية.
إذا استثنينا الجهة المخوَّلة إجراء المناقصات قانونياً، يبقى أنَّ على الشركات الملتزمة المشروع، تقديم إيرادات مالية لبلدية بيروت، على الأقل، لقاء استخدامها المجال العام للبلدية، وهو ما لم يحصل. أمّا الحجّة، فهي صرف جميع الإيرادات على أعمال الصيانة، لتصبح إيرادات المشروع ونفقاته، متساويتان. علماً أنَّ كلفة صيانة الإشارات الضوئية وكاميرات المراقبة، يُفتَرَض أن تُغَطَّى من إيرادات مشروع العدّادات.
لا الدولة استفادت ولا البلديات. توقَّفَت الإشارات والكاميرات، فيما القوى الأمنية لا تستطيع بلحظة واحدة التواجد على كل الإشارات لتنظيم السير، وليس من مهامها إجراء الصيانة. وعلى ضوء الواقع، تصبح التنفيعات هي الهدف النهائي لتلك العقود.
أكلاف بالدولار
لم تسارع أي جهة سياسية لإبرام عقود تشغيل مع شركات جديدة، ليس ذلك توجُهاً نحو إدارة رشيدة، بل لعدم رغبة أحد بتحمُّل مسؤولية المشروع، خصوصاً وأنَّ الإشارات والكاميرات بحاجة إلى صيانة وبعضها بحاجة إلى تغيير. وهذه الأكلاف تُسَجَّل بالدولار المفقود حالياً، والخاضع لسلطة السوق السوداء، فيما الدولة غير قادرة على تأمينه إذا أرادت تشغيل المشروع. ولا تستطيع أي شركة تحمّل نتيجة التعاقد بالليرة اللبنانية أو بالدولار على السعر الرسمي المحدد من قِبَل مصرف لبنان، والبعيد جداً عن السعر الفعلي للدولار في السوق. وعليه، ستطول أزمة غياب الأضواء والكاميرات في الشوارع، وستزداد الأزمة مع خروج المزيد من الإشارات والكاميرات من الخدمة. وهذا سيؤثّر على عمل القوى الأمنية التي تعتمد على الكاميرات في ملاحقة السيارات المخالفة وبعض الخارجين عن القانون، ناهيك بازدحام السير الذي كانت تعاني منه العاصمة في ظل وجود الإشارات الضوئية، فكيف من دونها؟