التحقيق بأموال رياض سلامة: لنعوِّل على "الحياد" السويسري

خضر حسان

الثلاثاء 2021/01/19
مع انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، طالَبَ الشارع المنتفض المجتمع الدولي بالتحقيق في الأموال المحوّلة من لبنان إلى الخارج، منذ العام 2018 على الأقل، وليس منذ تاريخ انطلاق الانتفاضة، كما أرادت أركان المنظومة. لم يستجب المجتمع الدولي، وبالأخص سويسرا التي تشكّل ملاذاً آمناً للحسابات المصرفية حول العالم. وفي ذروة المطالبة بإلقاء الحجز على حسابات السياسيين والمصرفيين وكبار رجال الأعمال، أكّدت السلطات السويسرية أن الحجز لا يمكن أن يتم إلاّ اذا خلصت تحقيقات القضاء اللبناني إلى وجود شبهة حول كسب الأموال المحوَّلة بطرق غير مشروعة.

تفعيل اتفاقية التبادل
في منتصف العام 2020 شهدت هيئة التحقيق الخاصة التي يترأسها رياض سلامة، بأن "كافة المصارف التي نفّذت التحاويل إلى الخارج بين 17 تشرين الأول 2019 و31 كانون الأول 2019، أفادت بعدم وجود أي شبهة بالعمليات أو بمصدر الأموال المودعة في الحسابات". وبالطبع، لم يخلص القضاء إلى وجود شبهات حول تلك الأموال، ليُقفَلَ ملف الأموال المحوَّلة رسمياً، وتضيع الأصوات الشعبية في زحمة المتغيّرات السياسية وانتشار فيروس كورونا.

بالتوازي، كان قرار البرلمان السويسري المتعلّق بتفعيل اتفاقيات التبادل للبيانات المالية، يختمر ببطء. فالبرلمان في قراره المتّخذ في نهاية العام 2019، حدَّد العام 2021 موعداً لبدء سريان التفعيل. وبذلك، يصبح بإمكان السلطات السويسرية القفز فوق سريّتها المصرفية لتقديم معلومات حول الحسابات المصرفية لمن تحوم حولهم شبهات في 19 بلداً مصنّفاً ضمن البلدان التي تشوبها عمليات الفساد، ومنها لبنان.

طلبٌ رسميّ؟
دخول قرار البرلمان السويسري حيّز التنفيذ رافقه تأكيد من وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم أنها "تسلّمت طلب تعاون قضائي موجّه من السلطات القضائية في سويسرا، وسلّمته إلى النائب العام التمييزي لإجراء المقتضى". وهذا الطلب، وفق ما نقلته وكالة رويترز، يتعلّق بارسال مكتب المدعي العام السويسري طلباً لمساعدة قانونية متبادلة من السلطات اللبنانية تتمحور حول "التحقيق في غسل أموال واختلاس محتمل مرتبط بالمصرف المركزي اللبناني".

التحرّك السويسري المؤكّد من وزيرة العدل يأتي على مستوىً رسمي وليس على مستوى جمعيات أو تجمّعات لحقوقيين، ما يعكس الرغبة الجديّة في كشف الغطاء عن أموال مشبوهة تخص رياض سلامة، يُعتَقَد أنّه حوّلها إلى الخارج بعد استعارته لأسمَيّ شقيقه رجا سلامة ومساعدته ماريان الحويك، كتغطية تشيح علامات الاستفهام حوله شخصياً. لكن الصيغة الرسمية للطلب تفرض مروره بوزارة الخارجية اللبنانية قبل وصوله إلى باقي القنوات اللبنانية، ومنها وزارة العدل. ورغم نفي سلامة تورّطه بتحويل أموال مشبوهة إلى الخارج، وخاصة باستعماله اسميّ شقيقه ومساعدته، وتأكيده أنه سيقاضي مفبركي هذا الخبر، لم توضح وزارة الخارجية ما اذا كانت تسلّمت طلباً رسمياً سويسرياً أم لا. كما أن تأكيد نجم للطلب وإرساله إلى النائب العام التمييزي، يعني تورّط الوزيرة والنائب العام في المسألة، ما يفرض توضيحهما للأمر.

العونيون وحزب الله
مَن يُفتَرَض بهم تأكيد الطلب السويسري، يخضعون لهيمنة التيار العوني وحزب الله، والطرفان يصبّان جهودهما على وضع سلامة في واجهة الأزمة اللبنانية. فكلاهما يريد التخلص من الرجل لأسباب مختلفة وباتت معروفة. ولذلك، يضع البعض الطلب السويسري في خانة الأخبار المفبركة. لكن اختلاق طلبٍ مماثل لا يعني انسداد الأفق، فمن الممكن الاستفادة من القانون السويسري لارسال طلب رسمي مؤكّد، يطال سلامة وباقي أركان المنظومة، من دون انتظار موافقة القضاء اللبناني أو مصرف لبنان أو أي جهة لبنانية. عندها فقط، يصبح التمايز عن الموقف العوني – الحزب إلهي، واضحاً، لأن عمليات تحويل الأموال المشبوهة حصلت فعلاً من قِبَل الجميع، وقد أكّدَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي ذلك، في وقت سابق، ولم يتحرك القضاء اللبناني لإرسال طلب إلى سويسرا، بشأن التحقيق. 

إلى أن ينقشع الضباب حول هذه القضية، التعويل على الحياد السويسري مطلوب، على أنْ لا يتحوّل التعويل إلى أمل زائف. إذ أن القرار السويسري ليس معزولاً عن القرار الدولي، وتحديداً الأميركي، الذي لا يريد سوى الضغط على حزب الله وحلفائه، وليس إصلاح المنظومة اللبنانية. وبالتالي، كشف مصير الأموال المهرّبة إلى الخارج لن يكون بالسهولة المتوقّعة، حتى وإن أتت بعض البوادر ذات النكهة الإيجابية. فلعبة التدقيق الجنائي ما زالت ماثلة أمامنا، حين لم يضغط المجتمع الدولي لاجراء التدقيق، وانما عزَّز السجال حوله باستعمال الأدوات اللبنانية، من وزارات وقوانين وشخصيات سياسية ودينية.. وغير ذلك.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024