تُجّار صور: تغيير حال البلاد هو مطلبنا المكبوت

خضر حسان

الثلاثاء 2019/10/29
تتغيّر نسب الحسومات الموزّعة على أبواب المحال التجارية في مدينة صور، لكنّها تعكس حالاً واحداً مفاده ركود الحركة التجارية. يتشابه حال المدينة الجنوبية مع أحوال المدن الأخرى على امتداد مساحة لبنان. فالعنوان الاقتصادي العام للبلاد يتلخّص بالعجز المستمر للميزان التجاري وبنسبة نمو صفر بالمئة، ومؤخراً بأزمة شحّ الدولار، وصولاً إلى إقفال الطرقات وانتشار حال الترقّب مع انطلاقة انتفاضة 17 تشرين الأول، اعتراضاً على كل العناوين السلبية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

الحركة السياحية
تمتاز صور بحركتها السياحية الناشطة صيفاً. فأهل كل القطاعات ينتظرون فصل الصيف لتعويض التراجع المستمر على مدار باقي الفصول. فالسياح "يحرّكون كل القطاعات، من المطاعم إلى محال الأحذية والملبوسات"، وفق ما يقوله جهاد نعنوع، صاحب محل لبيع الأحذية في سوق صور.

مع انتهاء موسم البحر واقتصار الحركة السياحية في المدينة على ما نَدَرَ من السياح، تعود أسواق المدينة إلى ما اعتادته على مدى عام من التراجع الحاد، خصوصاً وأن الوضع الاقتصادي يضغط على اللبنانيين الذين توقفوا عن الإنفاق إلاّ للضرورة. وحسب ما يؤكده نعنوع لـ"المدن"، فإن أزمة الحركة التجارية في صور "يمكن إرجاعها إلى نحو عام. وباستثناء الحركة السياحية، لا ترى المدينة اليوم أي بصيص أمل للحركة التجارية". وللتدليل على ضعف الحركة، يلجأ نعنوع إلى مؤشّر يلمسه كل من يزور المدينة باستمرار، ألا وهو مطعم "فتايل محفوظ"، نظراً لشهرته في المدينة. ويشير نعنوع إلى أن "وضع السوق يُعرَف من خلال الزحمة عند فتايل محفوظ. فإن كان المطعم مزدحماً، كان السوق بخير. والمطعم لم يعد يزدحم مع نهاية فصل الصيف. وفي الخلاصة، يمكن القول أن نسبة الحركة في السوق اليوم لا تتجاوز 20 بالمئة".

بين السنتر والسوق القديم
لا يختلف الوصف بين تجار السوق القديم داخل المدينة وتجار المحال في المجمعات التجارية (السنتر) المستحدثة على مداخل المدينة، وأشهرها ذلك المعروف بمجمّع الساحلي. فالحسومات تصل في بعض المحال إلى 80 بالمئة، ومع ذلك، يمكن للعين المجرّدة استنتاج حال الركود. وهذا لا يعني أن أصحاب المحال يخسرون، لكن أرباحهم تقلّصت كثيراً، ومن جهة أخرى تقلّصت حركة استيرادهم للبضائع.

في السوق القديم محطات كثيرة ساهمت في تقليص الحركة التجارية. فقبل وصول الأوضاع الاقتصادية والمالية إلى ما هي عليه، تكفّلت "ساحة القَسَم" بإطلاق الرصاصة الأولى على تجار السوق "مع أن الكثير من التجار في السوق لا يعلنون ذلك على الملأ لأنهم يؤيدون أو ينتمون إلى حركة أمل وحزب الله، لكنهم يعترفون بذلك سراً أو خلال حواراتهم مع من يشاركونهم الولاء الحزبي"، على حد تعبير أحد التجّار في السوق القديم.

وساحة القَسَم هي ساحة استُحدِثَت منذ بضعة أعوام، على مدخل السوق القديم، في المنطقة المعروفة بإسم "البوابة" أي بوابة صور. تم تشييد الساحة الكبيرة بعد إقفال طريق عام يسمح للمواطنين والتجّار بالوصول إلى مدخل السوق القديم لشراء البضائع أو تنزيلها من الشاحنات مباشرة إلى المحال، و"تم بناء الساحة بحجة الوفاء للإمام موسى الصدر"، حسب أحد التجّار الذي يقول لـ"المدن" أن "الوفاء للإمام يكون بتسهيل حركة الناس والتجار. ففي حين كان الطريق المار سابقاً بمحاذاة السوق يسمح بإنزال الناس على مدخل السوق مباشرة، ويسمح للتجار بإنزال بضائعهم بقرب محالهم، بات على الناس ركن سياراتهم بعيداً والتوجه سيراً إلى داخل السوق، ليعودوا ويحملوا مشترياتهم بأيديهم لمسافة طويلة قبل الوصول لسياراتهم. أما التجار، فيضطرون إلى تنزيل البضائع في أماكن بعيدة واستئجار عمّال لتحميلها إلى المحال بواسطة عربات جر صغيرة، وهو ما يزيد من الأعباء المادية، ويؤدي إلى خسارة الوقت. وللأسف يخفي بعض التجار هذه المعاناة، لأسباب سياسية، فمن اتخذ القرار بإنشاء الساحة، اتخذه لأسباب سياسية ليس إلاّ، ولم يأخذ بالاعتبار مصلحة السوق القديم الذي تتراجع حركته سنة بعد سنة.
ومن المؤسف أيضاً، أن بلدية صور عمدت إلى توسيع ممرات المشاة على حساب الطرقات، ولم تجد حلاً لأزمة ركن السيارات على جوانب الطرقات، الأمر الذي قلّص مساحة الطرقات ومَنَع الناس من ركن سياراتها أمام المحال التجارية خوفاً من إقفال الطرقات. وهو ما جعل الناس تستبعد إمكانية زيارة المحال التجارية الواقعة داخل أحياء المدينة، ما لم تكن مضطرة جداً، وفي هذه الحالة، يضطر الناس لركن سياراتهم في مواقف بعيدة جداً، والتنقل سيراً على الأقدام".

الثورة وأبناء القرى
تعتمد صور على أبناء القرى المحيطة، وبشكل رئيسي قرى البرج الشمالي، البازورية، طيردبا، معركة، العباسية، دير قانون النهر، طورا، الشبريحا، بالإضافة إلى القرى الأبعد، مثل معروب، صريفا، شحور، جويّا، دبعال وبافليه. وحركة أبناء هذه القرى "تراجعت مع بدء الثورة وعملية إقفال الطرقات"، على حد تعبير صاحب محل "يزبك"، الذي يشير إلى أن "الحركة التجارية في صور كانت أفضل من الحركة في النبطية وصيدا، لكن حال البلاد عموماً ساهم في تراجعها، ومؤخراً أقفلت المحال في السوق لمدة أسبوع مع إنطلاق التظاهرات". ورغم التظاهرات "فتحت المحال أبوابها، لكنها لم تجد ما يسد النقص ويمنع التراجع". ويتابع "يزبك" أن "الثورة مطلوبة وهي رد على أوضاع البلاد، وهي ليست مسؤولة وحدها عن تراجع الحركة التجارية في صور، لكن من ناحية عملية وتجارية نقول أن إقفال الطرقات أثّر على الحركة". 

بقاء وضع البلاد على هذا المنوال "سيؤدي إلى مزيد من الخسائر بالنسبة للتجار، وأهمها مع فتح المصارف أبوابها وتهافت كبار التجار لتصريف الشيكات التي أخذوها من صغار التجار وأصحاب المحال"، فصغار التجار لم يتمكنوا من بيع بضائعهم وتحويل الأموال إلى المصارف لتغطية قيمة الشيكات التي أعطوها لكبار التجار.

يلخّص الكثير من التجار في صور معاناتهم ببضع كلمات، ويستندون إلى جملة من المشاريع والقرارات المحلية المرتبطة ببلدية صور، لكنهم يرفضون تحميل الثورة كامل المسؤولية، ويصرون على تسمية التظاهرات بـ"الثورة" لأنها "المرة الأولى التي ينزل فيها اللبنانيون إلى الساحات تاركين خلفهم انتماءاتهم الطائفية والمناطقية والحزبية والعائلية، وهذه ثورة حقيقية على كل ما اعتدنا عليه منذ الحرب الأهلية"، يقول أحد التجار.

وتجدر الملاحظة إلى أن أغلب التجار فضّلوا عدم الإفصاح عن أسمائهم خلال الحديث لـ"المدن"، أو فضّلوا عدم التحدث مطلقاً "حفاظاً على ما تبقّى من علاقة بينهم وبين الزبائن الذين قد يتوقفون عن الشراء من المحال التي لا يعجبهم رأي أصحابها بالثورة أو ببعض الزعماء السياسيين، "والوضع لم يعد يحتمل خسارة الزبائن. فبكلمة واحدة من أحد الزعماء، انسحب الكثير من الساحات وبقي أصحاب القلوب القوية الذين لا يتبعون أي زعيم، فقلبنا مع الثورة حتى وإن لم نشارك في التظاهرات يومياً". وأيضاً، حتى الكثير من التجار الذين أكدوا تأييدهم لحزب الله وحركة أمل، أعربوا عن حاجتهم "لتغيير الواقع في كل لبنان، لأن الحالة الاقتصادية والمالية الحالية توحي بأن الأسوأ آتٍ. ويُفترض بالزعماء الذين نؤيدهم ونعطيهم ثقتنا، أن يغيّروا الواقع كما وعدونا في الانتخابات النيابية الماضية، واليوم حين دعونا بشكل مباشر وغير مباشر إلى عدم المشاركة في التظاهرات إفساحاً بالمجال أمام التغيير في الحكومة ومجلس النواب".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024