أيها اللبنانيون: لهذه الأسباب لا قروض إسكان

علي نور الدين

السبت 2018/12/01

بدا للكثيرين أنّ أزمة قروض الإسكان في طريقها للحل، منذ أن وافق المجلس النيابي على منح المؤسسة العامّة للإسكان إعتمادات بقيمة 100 مليار ليرة لدعم القروض السكنيّة. وكان من المفترض، حسب الحل هذا، أن تكون الإعتمادات بمثابة مخرج مؤقّت للأزمة، ريثما تبت الحكومة سياسة إسكانيّة على المدى الطويل.

الدفع المسبق للمصارف
بعد تأمين الإعتمادات من مجلس النوّاب، اتجهت مداولات جمعيّة المصارف مع المؤسسة العامّة للإسكان، منذ البداية، إلى إعتماد صيغة بديلة تعتمد مبدأ "الدفع المسبق" للدعم، من قبل المؤسسة العامّة للإسكان للمصارف. وفق هذه الصيغة، تمنح المصارف القروض السكنيّة المدعومة للمقترض، على أن تقوم المؤسسة العامّة للإسكان وفور منح القرض بدفع جزء من الفائدة التي ستستحق مستقبلاً على القرض، بينما يقوم المقترض لاحقاً بسداد القرض مع الجزء المتبقّي من الفائدة.

تم إقتراح الفائدة الإجماليّة، التي ستتقاضاها المصارف، عند مستوى يمثّل "الفائدة المرجعيّة في سوق بيروت" ناقص واحد. والفائدة المرجعيّة هي معدّل متحرّك تحدّده جمعيّة المصارف شهريّاً، ليشكّل قاعدة لإحتساب الفوائد المتحرّكة للقروض طويلة الأمد، مثل القروض السكنيّة. وبما أنّ الفائدة المرجعيّة كانت تبلغ مستوى الـ10.7 في المئة، كانت الفائدة التي يُفترض بالمصارف أن تتقاضاها تساوي 9.7 في المئة، يدفع من أصلها المقترض نسبة تتراوح بين 5 في المئة و6 في المئة، بينما تسدد المؤسسة العامّة للإسكان القيمة المتبقية.

عرقلة الإتفاق
فجأة عادت الأمور إلى نقطة الصفر، مع قرار جمعيّة المصارف برفع الفائدة المرجعيّة نفسها إلى مستوى 11.5 في المئة. فرفعُ المعدّل هذا عنى عودة التفاوض على النسب بين المؤسسة والمصارف إلى البداية، خصوصاً أنّ مستوى الفائدة الذي يدفعه المقترض، حسب الإتفاق، لا يتحمّل أيّ إضافات عليه، بعد أن تم رفعه من نسبة تتراوح بين 3.25 في المئة و3.5 في المئة، وفق الصيغ السابقة، إلى نسبة تتراوح بين 5 في المئة و6 في المئة، مع العلم أنّ هذه الفوائد تسدد على مبالغ كبيرة، وعلى فترات زمنيّة طويلة.

خلفيّات نقديّة ومصرفيّة
ثمّة أسباب نقديّة واضحة، تقف وراء المسار الذي أخذه ملف قروض المؤسسة العامّة للإسكان، وتتعلّق تحديداً بتعميم مصرف لبنان رقم 503، الذي طلب من المصارف تخفيض القروض الممنوحة بالليرة اللبنانيّة، لتوازي 25 في المئة من إجمالي الودائع بالليرة بالليرة لديها، قبل نهاية 2019. حاليّاً تتجاوز هذه النسبة لدى القطاع المصرفي الـ34 في المئة، ما يعني أنّ على المصارف أن تخفّضها بقيمة توازي 9 في المئة، من ودائعها بالليرة.

وبما أنّ صيغة قروض المؤسسة العامّة للإسكان المطروحة هي بالليرة اللبنانيّة تحديداً، فلا يوجد مصلحة، أو حتّى قدرة فعليّة، للقطاع المصرفي للدخول في هذا النوع من القروض، في الوقت الحالي. أمّا المخرج الوحيد لهذه المسألة فيكمن في التوصّل إلى صيغة إتفاق مع المصرف المركزي، تستثني القروض السكنيّة التي سيتم منحها مستقبلاً من هذا التعميم، وهو ما لم يتم التوصّل إليه بعد.

وتكمن الإشكاليّة الفعليّة في أنّ قرار المصرف المركزي هدف إلى تطويق حجم القروض الممنوحة بالليرة، للسيطرة على الكتلة النقديّة بالعملة المحليّة، والحؤول دون تشكيلها ضغطاً على سعر الصرف. وبالتالي فإستثناء القروض السكنيّة من موجبات التعميم، لن يتماشى مع أهداف التعميم الذي أصدره.

الفوائد ومستقبلها
من ناحية أخرى، تسير نسب الفائدة في مسار تصاعدي منذ فترة، فمعدّل الفائدة المرجعيّة في سوق بيروت لليرة اللبنانيّة إرتفع من 8.68 في المئة في تشرين الثاني من السنة الماضية إلى 11.5 في المئة  اليوم. تتنوّع الأسباب بين إجراءات مصرف لبنان وإرتفاع الفائدة في الأسواق العالميّة، والحاجة إلى إبقاء هامش بين نسبة الفائدة بالدولار ونسبة الفائدة بالليرة.

وبمعزل عن الأسباب، لن يكون من مصلحة القطاع المصرفي الإرتباط ببروتوكلات تعاون في شأن القروض المدعومة، قبل التثبّت من إتجاه نسب الفائدة وتحديداً بالنسبة لليرة اللبنانيّة. فإذا كانت معدّلات الفائدة على قروض الإسكان متحرّكة، ومرتبطة بالفائدة المرجعيّة، التي تحددها جمعيّة المصارف حسب الصيغة الجديدة، سيؤدّي أي إرتفاع كبير في نسب الفوائد على الليرة، إلى تزايد مخاطر غير محتسبة لهذه القروض على المصارف، بسبب تزايد حجم دفعات الفوائد على المقترض.

تتعدّد الأسباب بين التعميم 503 وإتجاه نسب الفوائد، وحتّى مخاطر السوق العقاري، الذي يزيد قلق المصارف من القروض التي تشكّل العقارات ضمانتها الأولى، مثل القروض السكنيّة. لكن الأكيد أنّ مشكلة القروض السكنيّة بدأت تتحوّل إلى مشكلة إجتماعيّة، في ظل غياب سياسة إسكانيّة منظّمة وشاملة، لا تقتصر على الدعم المباشر للفوائد من خلال المصارف. أمّا الرهان على الدعم المباشر، كما يجري حاليّاً، فسيظل أسير القيود التي تفرضها الأزمة الماليّة القائمة ومعالجاتها، وإن نجح مؤقّتاً. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024