خضر حسان
وجرياً على عادته منذ وقوع الأزمة، ينفي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لجوء المصرف المركزي إلى وقف دعم استيراد السلع الأساسية، وقفاً تاماً، ويشير إلى أن الدعم سيكون جزئياً، بفعل الصعوبات التي وصلت إليها البلاد، والتي أكّدت استحالة تنفيذ الدعم الكامل لفترة أطول. غير أن الحاكم لم يحدد الشكل الجديد والجزئي للدعم. وأيضاً، الحاكم يناقض نفسه بدءاً من نفيه وقف دعم الأدوية، في حين أنّه كان قد أكّد في منتصف أيلول الماضي، خلال حديث لصحيفة "فاينانشيل تايمز"، أن "احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية منخفضة للغاية لدرجة أنه لا يمكنه توفير الدولارات إلا لدعم الواردات الحيوية مثل القمح، حتى نهاية العام". مع أن المركزي يدعم الأدوية والمحروقات إلى جانب القمح، ولم يكن صعباً على الحاكم ذكر استمرار دعم السلع الثلاث. إلاّ إن كان هناك ما لا يُراد إظهاره بشكل مفاجىء، وهو وقف الدعم عن الأدوية والمحروقات.
الواقع مغاير للخطابات
بعشوائية واضحة، أدارت الدولة ومصرف لبنان، عملية دعم السلع، سواء الأدوية والمحروقات والقمح، أو بعض المواد الغذائية ضمن ما سمّي بالسلة الغذائية المدعومة. وبغض النظر عمّا آلت إليه الأوضاع وأسبابها، إلاّ أنه لم يعد لدى لبنان أكثر من نحو 1.8 مليار دولار في احتياطه من النقد الأجنبي، يمكن استعمالها لدعم الواردات. وهذا المبلغ لا يفي بالغرض إلاّ في حال إلغاء الدعم عن بعض السلع التي لم يجدر بالدولة دعمها من اللحظة الأولى، كالكاجو مثلاً.
وترجّح مصادر مصرفية في حديث لـ"المدن"، أن يكون وقف الدعم عن بعض السلع لصالح الاستمرار في دعم متقطّع للأدوية، هو ما يقصده سلامة بالدعم الجزئي. لكن إلى متى يمكن الاستمرار في سياسة التقنين تلك؟ تؤكّد المصادر أن "الوقف الكلّي هو مسألة وقت. ويمكن دحض مزاعم الحاكم عبر تسليط الضوء على ما تعانيه المستشفيات والصيدليات من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، والذي يعود بشكل أساسي إلى نقص التمويل".
"هي سياسة خاطئة اعتُمِدَت منذ نحو عام"، هكذا تصوّرها المصادر، حين كان من المفترض "تحديد الأولويات والأساسيات لدعمها". علماً أنّه "كان مطلوباً من وزارة الصحة إجراء جردة بأدوية الأمراض المستعصية والمزمنة ليجري دعمها أكثر من سواها".
ماذا بعد؟
لم يعد هناك الكثير لفعله. فتدارك الأزمة بالظروف الحالية للبلاد، أشبه بالمستحيل. لذلك يمكن بكل وضوح القول إننا "وصلنا لمرحلة فوات الأوان. ولولا انتشار فيروس كورونا، لرأينا الناس في الشوارع"، وفق المصادر التي تلفت النظر إلى أن الإجراءات الفاشلة المتّبعة "ساعدت في زيادة الحصار على لبنان، بعد القرارات والمواقف الأميركية والعربية الرافضة مساعدة لبنان إلاّ بشروط قاسية". ولا يبدو أي أمل في تعاطف الجهات العربية والدولية مع لبنان، ما لم يتعاون الأخير مع صندوق النقد الدولي، وقبل ذلك مع شركات التدقيق الجنائي. لكن سلامة يصرّح بكل شفافية، أن مصرف لبنان "لا يستطيع الوعد بأنه سوف يسلّم جميع المعلومات التي طلبها التدقيق الجنائي لأنه ملزم بقوانين السرية المصرفية". أي أن لبنان يُكابر رغم فشله وسقوطه، وهو ما يرسل إشارات سلبية للمجتمع الدولي.
كل ما يمكن فعله هو عصر ما تبقّى من دولارات قبل الانفجار الأخير الذي بدأت تتبلوَر معالمه من خلال تبلُّغ مستوردي مواد التعقيم "بقرار رفع الدعم"، حسب ما أعلنه نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، يوم الجمعة 9 تشرين الأول. داعياً مصرف لبنان إلى "التراجع عن قرار رفع الدعم"، خصوصاً وأن مواد التعقيم الموجودة في السوبرماركت "لا علاقة له بمواد التعقيم التي تستعمل في المستشفيات وأسعارها باهظة الثمن، ولا مجال للمقارنة بينها وبين ما يستخدم في المنازل".