عيد الفطر: سياسات الإفقار تهدّد القطاع السياحي بالاندثار

خضر حسان

الأحد 2020/05/24
كان من المنتظر في عيد الفطر أن تنتعش الحركة السياحية، كما في المناسبات المشابهة. غير أن الأحوال الاقتصادية والنقدية على مستوى الدولة والمواطنين، إدت إلى أن يسجل القطاع السياحي انتكاسة تضاف إلى انتكاساته المستمرة على مدى سنوات.

سعى القطاع لاجتذاب العطف من الحكومة، علّها تتذكّر محاسن القطاع وأفضاله على الاقتصاد، خاصة أن البلاد تتحضّر للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي، لتحفّز المجتمع الدولي الذي التأم في مؤتمر سيدر، على دفع ما وعد به.

خيبة أمل
كثيرة هي اللقاءات والتصريحات التي عبّر فيها أهل القطاع السياحي عن معاناتهم وعن ضرورة تقديم الدولة المساعدات لانقاذه. لم ينتبه أحد من الدولة إلى الأمر، فأصيب القطاع بخيبة أمل لم يكن يتوقّعها، بعد ما خَدَمَ الاقتصاد لعقود، وأعطى الصورة الجمالية للبنان.

تشير مصادر في وزارة السياحة إلى أن "جهد الحكومة اليوم ينصبّ على احتواء الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا. لكن ذلك لا يجب أن يعني إغفالها أهمية الحفاظ على القطاعات الاقتصادية، وخصوصاً القطاع السياحي، القادر بوتيرة أسرع من غيره على عكس صورة ايجابية للبنان، لو جرى الاهتمام به". وتأسف المصادر في حديث لـ"المدن"، لـ"سعي بعض القوى السياسية إلى استغلال الوضع الصعب للضغط على خصومها من أجل تحقيق مكاسب آنية خاصة. إذ يراهنون على تنفيذ مشاريع تهدر مالاً عاماً نحن بحاجة إليه لتعويم قطاعات انتاجية تفيد الجميع".

وترى المصادر أن القطاع السياحي "لم يعد يملك مقومات النهوض من دون مساعدة الدولة. فهو بالكاد قادر على الاستمرار لفترة زمنية قصيرة". وعدم تقديم المساعدة للقطاع "قد يكون مفهوماً وربما مقبولاً، لو أن الحكومة لا حول لها ولا قوة. لكن أن يدور السجال على بعض مشاريع الطاقة وغيرها، من منطلق سياسي بحت وليس انمائياً، فهذا يحملنا على رفع الصوت ضد ما يحصل. فالوقت لا يسمح للمشاريع السياسية، فيما المشاريع الاقتصادية الضرورية، تأتي في المرتبة الثانية في نظر القوى السياسية. وهذا ما يجب على الحكومة التنبّه له إن كانت تريد التمايُز عن الحكومات السابقة".

بأية حال عدت يا عيد؟
كانت الأعياد والمناسبات موسماً تنتظره المؤسسات السياحية كافة. لكنه تحوّل هذه المرة مناسبة للتذكير بالنكبة التي لحقت القطاع. وحال القطاع السياحي في عيد الفطر لهذا العام، دفع نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي، الى "بقّ البحصة" والكشف عن أن "أقل من 10 بالمئة فقط من القطاع يفتح أبوابه، ونحن وصّفنا وجعنا وسلّطنا الضوء عليه، لتقف الدولة إلى جانبنا قدر المستطاع".

لم تقف الدولة إلى جانب القطاع. ما حدا بالرامي لإعلان أسفه لـ" عدم تجاوب الحكومة مع خطّتنا". هذا الموقف لا يعني أن القطاع يرمي سهامه باتجاه القطاعات الأخرى، طالباً عدم مساعدتها، لكن بالنسبة إلى الرامي "كلّ القطاعات اليوم في المستشفى، أنّما القطاع السياحي في الغيبوبة". 

تذكير بماكينزي
أهملت القوى السياسية الحلول التي قدّمتها جهات محلية ودولية. وبرغم تفاوت المواقف، أهملت السلطة السياسية تنفيذها، فأهدرت المبالغ المالية التي دُفِعَت لوضعها.

الجميع يذكر الخطّة الانقاذية التي وضعتها ماكينزي، وكلّفت لبنان مليون و300 ألف دولار. وكان القصد من انفاقها "ايجاد بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات الخارجية، وتفعيل قطاعات إنتاجية تنافسية قادرة على تعزيز مؤشرات الأداء الإقتصادي، وخلق فرص العمل". لكن شيئاً لم يُفعَّل، في بيئةً لم تجذب سوى المزيد من التراجعات في مختلف الميادين. أما "التركيز على زيادة عدد الزوار من 14 دولة أوروبية محددة والبلدان العربية والبلدان التي يوجد فيها عدد كبير من المنتشرين، وتعزيز الخدمات السياحية في 3 مراكز سياحية أساسية يتم تحديدها لاحقاً، وتطوير السياحة المتخصصة في مجالات السياحة البيئية والاستشفائية"، فبقيت بنوداً في خطّة صمّاء جامدة، أعلنت الظروف الحالية موتها.

وزير السياحة السابق أفيديس كيدانيان، لوَّح يوم الأحد 24 أيار، بقميص ماكينزي، مذكّراً الحكومة الحالية بما تضمّنته الخطة حيال القطاع السياحي القادر على إدخال الأموال إلى الدولة. ولم ينكر كيدانيان أهمية تنمية كل القطاعات في اطار التحوّل من الاقتصاد الريعي الى المنتج. لكن التحوّل "ليس بكبسة زر"، فالصناعة والزراعة تحتاجان لوقت أطول للنهوض. فالصناعة "بحاجة ربّما إلى 4 أو 5 سنوات ليكون الإنتاج كاف. والزراعة بحاجة إلى وقت لتكفي الاستهلاك الداخلي، وليدخل التصدير أموالاً للدولة". وهذا ما يُبقي القطاع السياحي في صدارة القطاعات القادرة فور تأمين البيئة المناسبة، على ادخال الأموال. واستند كيدانيان في نظرته الإيجابية إلى أن "لبنان من بين 12 بلداً في العالم تمكّنت من السيطرة على وباء كورونا. وهذا يعطي دفعاً وتشجيعاً كبيراً للسياح". أما في حال الإصرار على إهمال القطاع، فسيموت، حاملاً معه مصير 150 ألف وظفية شاغرة".

آلاف المؤسسات أقفلت أبوابها، ومن بقي صامداً، تخلّى عن نحو نصف عدد موظفيه. ومن حافظَ عليهم، قلّص حجم الرواتب والتقديمات، وينتظر المجهول الذي قد يحمل معه الإقفال التام.
لا مؤتمرات ولا خطط ولا مساعدات تمكّنت السلطة السياسية من استغلالها لصالح السياحة التي رُبِطَ الاقتصاد بها، إلى جانب القطاع المصرفي. فبات الاقتصاد اللبناني معتمداً على أوكسجين الخارج. وما إن أُقفِلَت المسارات نحو الخارج، سياسياً وتجارياً، حتى اختنق الاقتصاد. فالسياحة تصارع، والمصارف تتشبّث بآخر مخالبها... والسقوط سيكون مدوياً، فيتحوّل العيد إلى انتكاسات لا تزول معالمها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024