المعابر المُربحة للنظام المُفلس

عصام الجردي

الإثنين 2020/05/11

يحاول لبنان ما وسعه إدخار نحو 20 مليار دولار أميركي أقل بقليل أو أكثر، لتأمين إمدادت المحروقات والقمح والدواء. كلّما تقدمنا في الأزمة، كلّما ازدادت الحاجة إلى مزيد من تمويل سلع غذائية أخرى بدأ يشحّ عرضها في السوق. بينما تتناقص القدرة على التمويل بالعملات الأجنبية. والكل يعلم أنها ما بقي من ودائع الناس واستطرادًا من توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان وودائعها. حين كانت العملات الأجنبية في مصرف لبنان من نحو 34 مليار دولار أميركي، كانت تغطي بحسب المصرف فاتورة استيراد السلع كافة لنحو 22 شهرًا. مقياس يعدّ في المساحة الوسط بين منزلتين. بعد ذلك تراجع خزين العملات من جهة، وازدادت الحاجة إلى الاستيراد من جهة ثانية. وفي ظروف إفلاسات وتوقف النشاط الاقتصادي وغَلق مؤسسات، وصرف عمال بات القلق الشديد هو المعيار.

فجوة مثلثة
قبل بدء المفاوضات مع بعثة صندوق النقد الدولي. هناك فجوة هائلة ثلاثية مصدرها المعابر غير الشرعية مع سوريا والشرعية، باتت تستنزف ما بقي من عملات أجنبية. الفجوة الأولى مباشرة من خلال تجار العملات وصيارفة محترفين. الثانية من خلال تسرب البضائع في الاتجاهين. المستورد بالعملات الأجنبية من لبنان إلى سوريا. وخصوصًا المحروقات والطحين والرغيف، وهي مواد مدعومة من الدولة وممولّة من ودائع اللبنانيين وحقوقهم في المصارف ومصرف لبنان والخزانة، وممنوعة على أصحابها بألف اقتطاع وHaircut، أو بتهريب الإنتاج الزراعي السوري إلى الداخل ومنافسة المنتج اللبناني بشروط ليست متكافئة. ينسحب الأمر على منتجات صناعية. والفجوة الثالثة العمالة السورية التي تنافس اليد العاملة اللبنانية العاطلة من العمل.

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قدّر في بيانه إلى الرأي العام الشهر الماضي، زيادة لا تفسير لها في قيمة فاتورة الاستيراد السنوية بنحو 4 مليارات دولار أميركي. كان  يقصد بذلك تمويل مستوردات تذهب إلى سوريا. لا تتوفر تقديرات جِديّة عن حجم تسرب الدولار الأميركي والعملات الأجنبية، وقيمة السلع والمنتجات المهرّبة عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية ومعها تحويلات العمالة. المزارعون يقولون أن زهاء 40 في المئة من الأراضي الزراعية خصوصًا في البقاع وعكّار لم تزرع في 2019 و2020 نتيجة تسيب الحدود والتهريب وخشية كساد المواسم. نلمس ذلك بارتفاع كبير في أسعار الخضر والفاكهة.

لا نعلم لماذا لا يمارس النظام السوري سطوته إلّا على لبنان واللبنانيين. وقد فقد كل مقومات الدولة. والعدو الصهيوني هنيئًا يحتل الجولان ويشرّع احتلاله. ويقصفه بالصواريخ ولا يردّ. ولا إيران تفعل وهما على تخوم الجولان. هجّر شعبه بالملايين إلى رياح الأرض الأربع. وكانت حصتنا من النازحين مليونًا أو أكثر إلى جانب المقيمين الاقتصاديين من بضعة مئات آلاف على الأرجح. قتل من قتل وشرّد من شرّد. منذ 1976 وهذا النظام يستقطع حصة شبه نظامية من الاقتصاد اللبناني. أسهم في إفلاس مصارف. لم يترك مؤسسة أو شركة كبيرة ومتوسطة لم يفرض عليها أتاوات نقدية وعينية. عاث فسادًا مع فاسدين لبنانيين صارت أسماؤهم رؤساء جمهورية وحكومات ووزراءً ونوابًا. عدّل الدستور وجدّد لهم. من هم على المعابر مع سوريا ليسوا من ليسوتو ولا من موناكو. رئيس الجمهورية ميشال عون يعلم من همُ. ورئيس الحكومة و"حزب الله" كذلك. قرارات المجلس الأعلى للدفاع بقفل المعابر لم تنفّذ. طفح الكيل. نفذوها من طرف واحد بقوة السلاح الشرعي لغَلق معبر غير شرعي. استمرار الوضع خرق للسيادة واعتداء على حقوق اللبنانيين وإهدار لموارد الاقتصاد. استقال سعد الحريري من رئاسة الحكومة ورفض الحوار رسميًا مع حكومة بشار الأسد. حكومة حسّان دياب هي حكومة "حزب الله"، والجمهورية جمهوريته في عهد رئيسها ميشال عون. ليتم الاتصال بنظام دمشق كي يقوم بالخطوة نفسها من جانبه. فقط لتذكير مسؤولينا و"حزب الله". عندما كانت الحكومة السورية تدعم المازوت وكان موفورًا، كانت سلطات الجمارك السورية على المعابر مع لبنان تتفحص خزانات المازوت للشاحنات اللبنانية العابرة للتأكد إنها لن تعبئها من المازوت المدعوم على الأراضي السورية أثناء مرورها إلى الأردن. النظام السوري هو الذي يستفيد من النشاط الأسود على المعابر وليس الشعب السوري البائس.

البنزين والمازوت أيضًا
على رائحة الفضائح السياسية والمالية ستبدأ الحكومة مفاوضاتها مع بعثة صندوق النقد الدولي. كل ما يمكن الحصول عليه من الصندوق لا يتجاوز الإهدار المالي والنقدي على المعابر الشرعية مع سوريا وغير الشرعية في سنتين. والصندوق في أي حال سيوفر قروضًا ميسّرة وليس هبات.

فضيحة الفيول أويل لكهرباء لبنان التي وضع القضاء يده عليها لا تحصل في غير لبنان. عقد حكومة مع سوناتراك شركة النفط الوطنية الجزائرية الحكومية تبيّن إنه مع سوناتراك أخرى مسجلة في جزر الكايمن. لا نملك أي معلومات عن الشركة الثانية. ولا السجل التجاري. ولا نوع الأنشطة. والجزر المذكورة معروفة بأنها ملاذ الهاربين من الضرائب والنصّابين ومرتع لتبييض الأموال. ولا يوجد في العقد شرط تقديم ضمانة بواقع 10 ملايين دولار أميركي أو نحوها في الإخلال بالعقد والشروط والنوعية. الأظرف من ذلك، أن في العقد نصًا على تعويض كهرباء لبنان في حال جاءت مواصفات الفيول غير مطابقة الشروط!! من هنا يمكن فهم أن يتضمن العقد نصًا بإبقائه سرًا لا يطلع عليه أطراف ثالثون..

منذ 2005 يجدد العقد كل 3 سنوات. وتتولّى شركتان لبنانيتان نقل الفيول الرديء الملوّث والخطر على البيئة والناس. ويلحق ضررًا بمعملي الزوق والجيّة. الطريف أن باخرتي توليد الطاقة التركيتان كان يصلها فيول أفضل نوعية كي لا تخرب مولداتهما.

صفقة الفيول جاءت من خارج إدارة المناقصات. المشتريات العمومية مطلوبة بندًا إصلاحيًا أساسيًا من صندوق النقد الدولي. ولا يكون ذلك بلا مناقصة عمومية شفافة. لقد ناصب "التيّار الوطني الحرّ" إدارة المناقصات العداء منذ تسلّم جبران باسيل وزارة الطاقة والمياه. وبعده سيزار أبي خليل وندى البستاني وريمون غجر. هذا التيّار كان حاكمًا منفردًا لمؤسسة كهرباء لبنان خلافًا للقانون بعد أن أحلّ نفسه مكان مجلس الإدارة والهيئة الناظمة. وزير الطاقة والمياه السابق سيزار أبي خليل في مؤتمره الصحافي لم يقدم سوى ادعاءات سخيفة مقطوعة من سياقها والمنطق للتبرؤ من المسؤولية مع نظرائه في التيّار في عقد الفيول أويل واستمراريته وصفقات الفيول وملف الكهرباء عمومًا. صفقات البنزين والمازوت ليست أقل شأنًا من الفيول اويل. ليتوسع التحقيق ويكتشف.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024