بين مراد ومكتّف.. الاعتقالات لا تهدّئ جموح الدولار

خضر حسان

الأربعاء 2020/05/13
محمود مراد، ميشال ورامز مكتّف، أسماء تتصدّر المشهد لدى الحديث عن الدولار. الأول هو نقيب الصرافين الذي جرى توقيفه بعد ثبوت دوره في تجنيد صرافين لجمع الدولار لمصلحته، بغية تشجيع سعر الدولار على الارتفاع، وتحقيق أرباح خيالية بعد بيعه للتجار، والثاني صاحب شركة لشحن الأموال، استمع إليه المدعي العام المالي علي ابراهيم، يوم الاثنين 11 أيار، وتركه بسند إقامة، على أن يستمع إليه لاحقاً في القضية المتّصلة بنقيب الصرافين. أما رامز، فهو صاحب شركة "رامز مكتف ش.م.ل"، وموقوف بالقضية نفسها.

تفكيك شبكة الصرافين
ما زال ميشال مكتّف خارج الشبهة حتى الآن، خصوصاً وأن الأنظار اتّجهت إلى رامز مكتّف، وذلك بعد قرار القاضي ابراهيم بتوقيفه. فيصبح مراد عندئذ، "القائد" الأبرز لشبكة من الصرّافين، ما زالت القوى الأمنية تلاحق أطرافها في بيروت والمناطق، في محاولة لتفكيكها ووقف التلاعب بسعر صرف الدولار. كما أن المعلومات تشير إلى علاقة "عمل" بين رامز مكتّف ومحمود مراد.

الانطباع الأوّلي لدى المواطنين عن توقيف مراد ورامز، والاستماع إلى ميشال، يفيض بالراحة النفسية. فللحظة من الزمن، يظن المرء أن الحل قد بدأ. فالحديث يدور حول رأس هرم قطاع الصرافة، ومن الطبيعي أن يهدّىء الجنود من وتيرة نشاطهم حين يُعتَقَل القائد، وهو ما حصل فعلاً. فمنذ إعلان قرار ابراهيم اعتقال مراد، ارتفع سعر الدولار بشكل ملحوظ، وصولاً إلى نحو 4400 ليرة، لكن سرعان ما انخفض إلى حدود 4250 ليرة. والارتفاع كان رد فعل طبيعي على الاعتقال، لأن الخوف دفع إلى فوضى في حركة بيع وشراء الدولار، فضلاً عن عدم الاكتراث بجدية قرار توقيف مراد.

تسارع الأحداث ومواصلة ملاحقة الصرافين، أفاد بأن أمراً مغايراً للسائد يحصل، ويبدو انه سيستمر. انعكست هذه الرؤية على سعر حركة المتاجرة بالدولار، فحافظ السعر على ركوده عند عتبة 4250 ليرة. غير أن الركود أصاب المواطنين والصرافين والتجار، بالحيرة. هل نشتري أم نبيع الدولار؟ سيرتفع السعر أم ينخفض؟

لا أحد يعلم. فالترقّب هو الأساس في الوقت الراهن. فشراء الدولار يعني المراهنة على ارتفاعه، وبيعه يحمل مخاطرة خسارة ليرات اضافية إذا ما ارتفع السعر لاحقاً. خاصة وأن أخبار احتمال ارتفاع السعر وتخطيه عتبة الـ5000 ليرة، تملأ الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي. وهو ما يؤثر على قرارات الناس حيال البيع أو الشراء.

الدولار سيرتفع
يرتفع سعر صرف الدولار، وترتفع معه معدلات الفقر والبطالة. ووحدها مظاهر النمو والازدهار الاقتصادي تتلاشى. والمؤشرات التي تظهرها الحالة الاقتصادية والنقدية غير مطمئنة، ما يجعل عمليات توقيف بعض الصرافين واستدعاء من هم على تماس مباشر مع حركة الدولار، زوبعة في فنجان، لأن ما يخفّض سعر صرف الدولار هو الاجراءات التي تتخذها الحكومة، وبالتوازي، مصرف لبنان. والطرفان لا يعملان بجدية لضبط سعر الصرف. بل أن "مصرف لبنان زاد الطين بلّة" وفق توصيف الخبير الاقتصادي جورج قرم. فالمركزي خلق أربعة أسعار للصرف، وهو أمر غير طبيعي وغير منطقي.

أما الحكومة، فيرى قرم في حديث لـ"المدن"، أن خطتها تنطوي "على نقص في الاجراءات التي تؤثر ايجاباً في القطاعات الانتاجية". ففي الظروف الراهنة، القطاع الانتاجي هو رافعة الاقتصاد. ومع ذلك، اكتفت الحكومة "بكلام سطحي حول التخلّص من الاقتصاد الريعي والتوجه نحو الاقتصاد الانتاجي، لكن عملياً لم توضح الحكومة الاجراءات التي ستُسيّر هذا التوجّه".

وقْع عدم جدية الاجراءات من قَبَل المركزي والحكومة، أقوى من وقْع الاعتقالات والملاحقات، فمن يلاحق الصرافين هي الدولة، والثقة بالدولة معدومة في الظروف الطبيعية، فكيف بها في الظروف الاستثنائية؟ وهذا ما يدفع الناس للتمسّك بدولاراتهم وتفضيلها على الليرة، أي أن الطلب على العملة الصعبة سيرتفع في ظل عدم توفرها في السوق، وتقييد حركة سحبها من المصارف التي تتحكّم بالسحوبات بصورة مزاجية.

وعليه، فإن سعر صرف الدولار هدأ بشكل اصطناعي بعد عمليات توقيف الصرافين، وليس بشكل طبيعي، ما يعزز مخاوف ارتفاعه في أوقات لاحقة، ليس فيها بوادر إعادة نظر في الأسباب الحقيقية التي أوصلتها إلى ما نحن عليه. تلك الأسباب المتعلّقة بادارة الطبقة السياسية للبلاد، وليس باستغلال البعض لظروف استثنائية. مع الاشارة إلى أن الاستغلال نفسه، لا ينفصل عن الدعم السياسي والتغطية التي تؤمّنها القوى السياسية لبعض الأشخاص، سواء كانوا صرافين مرخّصين أم تجّار عملة يحترفون التخفّي بين الناس.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024