النازحون لمؤتمر بروكسل: الأسد والمجتمع الدولي متآمران ضدّنا

خضر حسان

الجمعة 2019/03/15
قد يكون تزامن انعقاد مؤتمر "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، بنسخته الثالثة في بروكسل، مع الذكرى الثامنة للثورة السورية، التي أطلق شرارتها أطفال درعا في العام 2011، مصادفةً، وقد لا يكون كذلك. وفي الحالتين، لم يعد الأمر مهماً بعد تلك السنوات، ومع استمرار الحرب وتداعياتها، والتي أبعَدَت سوريا عن مسار الثورة، وأدخلتها في جحيم هائل، و"بازار" أبطاله سماسرة الحروب، الذين يرفعون شعارات الحفاظ على مصالح الشعب السوري، وهُم ما أنتجوا سوى مزيدٍ من الدمار والتهجير بحقّ هذا الشعب.

مساعدات بروكسل
خلص مؤتمر بروكسل، يوم الخميس 14 آذار، إلى جمع نحو 7 مليارات دولار كتبرعات لمساعدة سوريا والمنطقة. وقدّرت الأمم المتحدة قيمة احتياجات النازحين للعام 2019، بنحو 5.5 مليار دولار لمساعدة نحو 5.6 مليون لاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، ونحو 3.3 مليار دولار للنازحين داخل سوريا. لكن فات الأمم المتحدة أن تقديراتها مبنية على إحصاءاتها الرسمية، لكن إحصاءات أرض الواقع تشير إلى ما هو أبعد من التقديرات الرسمية. ففي لبنان، تحصي الأمم المتحدة 1.5 مليون نازح، فيما التقديرات غير الرسمية تشير إلى ما يقارب 2 مليون، نتيجة عمليات التهريب عبر المعابر غير الشرعية. وهذا التباين بين الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية، يجعل قيمة المساعدات المقدّرة، غير دقيقة.

غير أن هذه الخلاصة لم تُفصح عن آلية توزيع تلك التبرعات. وتحديداً عن نصيب لبنان منها. خصوصاً وأن آلية عمل المجتمع الدولي، على مدى الأعوام الثمانية، لم تُسفر سوى عن مزيد من التعقيدات أمام أوضاع النازحين، على كافة المستويات. وهو ما يثير القلق حول نية المجتمع الدولي عدم تحمل مسؤوليته الإنسانية بشكل جدّي، أو حتى إنهاء الأزمة العسكرية في سوريا.

مشاريع ضرورية
قيمة المساعدات التي تعهّدت بدفعها الدول المشاركة في المؤتمر، لا تكفي لإنجاز المشاريع اللازمة لمعالجة أزمة النزوح. ففي لبنان وحده، تحتاج المشاريع إلى 2.9 مليار دولار في العام 2019، وفق ما قاله رئيس الوزراء سعد الحريري، خلال المؤتمر. وانطلاقاً من الحاجة اللبنانية، يمكن قياس ضآلة تأثير المليارات السبع. فإذا كان لبنان يحتاج ما يقارب 3 مليارات، فهل يعقل أن الأردن ومصر وتركيا والعراق وسوريا، يحتاجون كلّهم إلى 4 مليارات فقط؟.

وعلى ضوء عدم كفاية المساعدات وتناسبها مع الاحتياجات المتزايدة، لفت الحريري النظر إلى ان الأحوال الإنسانية للنازحين في لبنان تزداد سوءاً، كما أن "المنافسة على الموارد القليلة صعّبت العلاقة بين المجتمعات المضيفة والنازحين. فالتوترات تزداد، وتزيد من خطر الأعمال العنفية". ومن المتوقع أن تزداد الأوضاع صعوبة، مع عدم قدرة لبنان على تأمين كلفة أي مساعدات إنسانية للنازحين، إذ "لن يكون هناك تمويل إضافي في موازنة 2019، ولا في الموازنات اللاحقة لتأمين المساعدات الإنسانية الجديدة".

كما دعا الحريري إلى المساعدة في إنجاز "المشاريع الحيوية التي تحسّن الحياة للنازحين والمجتمعات المضيفة"، معتبراً أن إنجاز تلك المشاريع يحتاج إلى "تأمين التمويل اللازم لخطة لبنان للإستجابة للأزمة". مشيراً إلى ضرورة توسيع حجم المساعدات الدولية، التي كانت "في العام الماضي 1.2 مليار دولار، ما مثّل 45 في المئة من مطلبنا بالدعوة التي كنا أطلقناها للحصول على 2.7 مليار".

ويحتاج إنجاز المشاريع إلى "ضمان الاستقرار للمشاريع طويلة الأمد، ومنها تأمين التربية والتعليم للصغار، بالإضافة إلى التخفيف من آثار العوامل العكسية، فمثلاً لبنان واجه ظروفاً مناخية صعبة، ما أثر سلباً على النازحين واللبنانيين". وأكد الحريري الحاجة "لتعزيز الدعم للمجتمعات المضيفة بمبلغ 100 مليون دولار سنوياً على الأقل، لتمويل برامج ومشاريع البنى التحتية كالطرقات والمياه، لما لها من أثر على البيئة والصحة العامة، فضلاً عن دعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة وتمكين النساء، ومشاريع تنموية تقوم بها البلديات".. إلى جانب الحاجة إلى "دعم الإطار الاستراتيجي الوطني للتدريب المهني والتعليمي، الذي طوّرته الحكومة اللبنانية، بدعم من اليونيسف ومنظمات العمل العالمية، لتعزيز مهارات القوى العاملة اللبنانية".

النازحون والتعليم
يُعدّ تأمين تعليم لائق، أحد أبرز المشاكل التي يعانيها النازحون في لبنان. فأطفال النازحين ضاعوا بين عدم الالتحاق بالمدارس بتاتاً، وبين انعكاسات اختلاف المناهج التعليمية بين سوريا ولبنان، فكان لابد من إيجاد حلّ. لكن إلحاق الطلاب النازحين بالمدارس وبالبرامج التعليمية الخاصة، لم يؤدِّ إلى احتواء كل الأولاد الذين هم دون سن 18، رغم وجود محاولات لإحتوائهم عبر البرامج الخاصة.

ومع الاتجاه التنازلي لقدرة لبنان على حمل أعباء النازحين: "لن يكون لبنان قادراً على المضي قدماً في رفع عدد النازحين المسجلين في المدارس الرسمية، ما لم تصله المساهمات المالية في الوقت المناسب". وحسب ما أورده وزير التربية أكرم شهيّب، خلال مشاركته في المؤتمر، يستفيد 215 ألف طالب سوري من التعليم الرسمي، و60 ألفاً من التعليم الخاص. وهذه الأرقام "ارتفعت تدريجياً بمعدل 34 في المئة منذ مؤتمر لندن سنة 2016 أي بزيادة نحو 60 ألف متعلم، وباتت نسبة الطلاب النازحين تشكل إثنين من أصل كل خمسة تلامذة في لبنان. وفضلاً عن النازحين السوريين، هناك جنسيات أخرى مثل الفلسطينيين والعراقيين".

العودة بعيدة
ليست الخيمة التي تتحوّل إلى بركة وحلٍ، أو مركب موت ثلجي، شتاءً، هي أقصى ما حلم به النازحون إلى لبنان، بل العودة إلى ديارهم هي الحلم الوحيد. حلمٌ يحاول النظام السوري إبرام صفقة حوله مع المجتمع الدولي. فالنظام غير مسرور لعودة النازحين، إذ لم تنتهِ بعد فصول حكاية التقسيم المناطقي والمذهبي التي يرسمها، والتي يحرم بموجبها الكثير من السوريين العودة إلى منازلهم، التي لا تبعد عن مكان سكن بعضهم، مرمى حجر.

أما المجتمع الدولي، فيُجاري النظام بلعبته، وهو الذي أبعَدَ عن قاموسه فكرة الإطاحة بالأسد. ومساهمة المجتمع الدولي تتلخّص من جهة، بتقديم مساعدات غير كافية للنازحين والمجتمعات المضيفة، ومن جهة أخرى السعي للتواصل مع النظام عبر قنوات رسمية وغير رسمية. وهو ما فعلته الكثير من الدول العربية والأوروبية. ما يعني أن المجتمع الدولي اعترف بشرعية نظام الأسد من دون أن يعترف بضرورة العودة السريعة والآمنة للنازحين. وما الزيارات المتكررة للسياسيين والديبلوماسيين الأوروبيين والأميركيين والعرب إلى لبنان، سوى "مؤشر إلى أن هذه القضية لن تجد حلاً في المدى المنظور"، برأي شهيّب.

وعليه، لم يبقَ أمام النازحين سوى تحمّل نتائج الصفقات الدولية، التي تتأسس على حساب عودتهم إلى بلادهم، أو إلى منازلهم، فيما لو عادوا إلى سوريا. وبذلك، لا يسعهم إلاّ التأكّد بأن النظام والمجتمع الدولي تآمرا سويةً على حقوقهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024