خضر حسان
في السياق، يشير أمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح إلى أن "المصارف هي مؤسسات ربحية بالدرجة الأولى، وتنظر إلى مصلحتها من ناحية توفير الربح، حتى في مثل القرارات المتعلقة بإنشاء صناديق لدعم المشاريع التنموية. لذلك ستختلف قرارات المصارف بين من يوافق على المساهمة في مثل هذه المبادرات، وبين من لا يهتم بها".
لم يُقفل فتوح الأمل نهائياً، إذ لفت النظر في حديث إلى "المدن"، إلى ان المبادرة المتعلقة بالاقتصاد الرقمي، قد تجذب المصارف العربية، لأن لها "تأثيرات إيجابية على ربحية المصارف العربية. فهي تستفيد من الاقتصاد الرقمي لتطوير نفسها، والاستمرار في المنافسة داخل السوق. ومن لا يستطيع من المصارف اللحاق بالتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، يخرج من المنافسة تلقائياً".
لمصداقية الجهة التي أعلنت المبادرة بعض التأثير على مشاركة المصارف. لكن برأي فتوح "التأثير الأكبر سيكون على المصارف الكويتية والقطرية. لأن البلدين أعلنا المساهمة في الصندوق، ومن الطبيعي أن تبادر المصارف فيهما إلى المساهمة لإضفاء مصداقية أكثر على المبادرة. غير ان نسبة مشاركة المصارف في الدول الأخرى ستكون أقل". وبغض النظر عن مشاركة المصارف اللبنانية في المبادرة أم لا، إلا أن هذه المصارف "تُعتبر متطورة من ناحية اللحاق بالاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا".
جهود خيالية
الأحلام الجميلة لا تستطيع تغيير الواقع بسهولة، ما لم تقترن بأفعال علمية مادية. فالصناديق العربية وأموالها لم تذهب بالاتجاه الصحيح، بل ذهبت إلى مشاريع غير واضحة المعالم، فاستفادت منها بعض المؤسسات في الدول العربية الأغنى مادياً، في حين كانت الدول الأكثر فقراً تبحث عن مشاريع غذائية، ولا تكترث للتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي. ولو استطاعت الدول العربية الفقيرة التخلّص من حاجتها الملحّة إلى الغذاء، وخفض معدلات البطالة والأمية، لاصطدمت بالتقارير السلبية للبنك الدولي التي توصّف الحالة العربية بامتياز.
فقد رأى المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، في تقريره الصادر في شهر تشرين الأول 2018، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحتاج إلى "جهد شامل، شبيه بما قامت به الولايات المتحدة بعد أن قررت في أوائل الستينيات أن تصل إلى سطح القمر. ويمكن لمثل هذه الانطلاقة الكبرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تُوحِّد الناس خلف هدف مشترك، وتساعد على تحقيق تحوُّل في الطريقة التي تمارس بها الحكومات والشركات والمؤسسات المالية الدولية ومنظمات المجتمع المدني أعمالها. وسيحدث ذلك تحولاً في اقتصاد بلدان المنطقة، ما يساعد على ضمان أن يجد الملايين من الشباب الكثير من الوظائف الجيدة والفرص التي يستحقونها".
وكترجمة واقعية لمحتوى التقرير، ينبغي على الحكومات العربية أن تقوم بجهد يشبه جهد الوصول إلى القمر، في حين ان أقصى ما تهتم به تلك الحكومات اليوم، هو بسط نفوذها السياسي خارج حدودها الجغرافية. وربطاً بالمبادرة نحو الاقتصاد الرقمي، فإن "الجهد الشامل" يعني خلق بنية تحتية عربية، قادرة على استيعاب التطور التكنولوجي عموماً، والرقمي خصوصاً، وهو أمر بعيد المنال، لأن مستوى تطور الدول العربية متفاوت بشكل تعجز فيه المبالغ المرصودة لدعم المشاريع، عن سد الثغرات في الدول العربية. وهذا ما يجعل من السهل استغلال الأموال في مشاريع تنفّذ في الدول العربية الأكثر نمواً، على اعتبار أن تلك الأموال قادرة على تطوير عمل مؤسسة قائمة، في حين لا تكفي لإنشاء وإطلاق وتطوير مؤسسة لم تولد بعد.