تحرك الشارع يكرّس القطيعة بين العمال وأصحاب العمل

عزة الحاج حسن

الجمعة 2019/01/04
ليس جديداً أن يختلف طرفي قوى الإنتاج (عمال وأصحاب عمل) بمواقفهم من السياسات الحكومية العامة أو بتوجهاتهم المطلبية، إنطلاقاً من تعارض مصالح الطرفين، والاختلاف الجوهري وربما المتناقض بين منهجي عملهما وكيفية تحصيل مكتسباتهما، لكن اختلاف طرفي الإنتاج في لبنان اليوم ليس مبرّراً ولا "بريئاً"، فمطلب الطرفان واحد، هو تشكيل الحكومة والمبادرة إلى الإصلاحات الإنقاذية، إلا أن موقف أرباب العمل من "التحركات المطلبية" طغت عليها المصالح السياسية وربما الشخصية وعطّلت مفاعيلها.

وبعيداً عن أي تفسيرات وتأويلات لخلفيات إضراب يوم الجمعة 4 كانون الثاني، الذي يتصدّر الداعين إليه الاتحاد العمالي العام، وتتقدّم الهيئات الإقتصادية الرافضين له، فإن جدول الإضراب يتضمن عنواناً وحيداً هو الدعوة إلى تشكيل حكومة. هذا المطلب إنما يعيدنا إلى شهر إيلول الفائت، حين أعلن طرفي الإنتاج آنذاك (هيئات اقتصادية واتحاد عمالي عام) تضامنهما في وجه السلطة السياسية، والتهديد بالنزول إلى الشارع، ما لم يتم تشكيل حكومة. فما الذي طرأ على الهيئات الإقتصادية، ليدفعها إلى الإنفصال عن الاتحاد العمالي ومواجهة المطالبين بتشكيل حكومة؟

مسار مشترك
منذ نحو 8 أشهر اجتمعت الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام على تحذيرات عديدة، سابقة لتحرك الجمعة. وكانت التحذيرات في كل مرة تتجنب النزول إلى الشارع، وتلقى تأييد الطرفين. بمعنى، أن التنسيق بين طرفي الإنتاج كان مستمراً، حتى صوّر للبعض أن الهيئات الاقتصادية كانت مندفعة أكثر من الاتحاد العمالي العام للنزول إلى الشارع.

ففي 26 أيلول 2018، أطلقت قوى الإنتاج صرختها في وجه السياسيين، للمطالبة بتشكيل حكومة، والعمل على تنشيط الاقتصاد، وتوفير مناخ ملائم للأعمال. وأكدت حينها الهيئات الإقتصادية أنها لن تسكت عن المماطلة بتشكيل الحكومة. وقال قيادييها آنذاك "لا تدفعونا إلى التصعيد واتخاذ خطوات غير مستحبة لدينا". حينها أثبت أصحاب العمل والعمال أن الجميع في خندق واحد، ويعيشون أزمة واحدة.

في مطلع تشرين الثاني 2018، بدت الهيئات الاقتصادية أكثر إندفاعاً وإصراراً على التحرك من الاتحاد العمالي العام. وهو ما ترجمته في إعلانها التحرك خلال أيام. وحينها قال أحد قياديي الهيئات: "لم يعد هناك أي تبرير للإنتظار". غير أن التحرك لم يحصل، والحكومة لم تتشكل.

خيبة العمال
أما اليوم، فالهيئات الاقتصادية أعربت جهاراً عن رفضها لإضراب اليوم (الجمعة)، باعتباره ليس وقتا مناسباً للتحرك. ورغم تأكيد الهئيات الاقتصادية أن المطالبة بتشكيل الحكومة، كان ولا يزال مطلبها الأول، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لسان حالها على الدوام، تصرّ على أن الإضراب لا يمثلها. وأنها تتحين التوقيت المناسب لاتخاذ موقف تصعيدي، للضغط من أجل تشكيل الحكومة. فمتى هو ذلك الوقت المناسب؟ مضى 8 أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة ولم يتم تشكيلها، والتراجع الاقتصادي بلغ ذروته. فمتى يكون الوقت مناسباً للتحرك والمطالبة بتشكيل حكومة؟

إنقسام قوى الإنتاج لن يحبط عزيمة العمال، على ما يقول قيادي عمالي، فالاتحاد العمالي العام تمكن من حشد غالبية الاتحادات العمالية والنقابات، ولن يتراجع عن الإضراب، "إلا أن موقف الهيئات الإقتصادية جاء مخيباً"، لاسيما أنها رفضت تأييد الإضراب، بحجة عدم المساهمة في تعطيل الاقتصاد ليوم واحد، متسائلاً "هل خسائر إضراب يوم واحد أكبر من الخسائر الناتجة عن غياب الحكومة؟"

موقف يخفي مطامعَ
موقف الهيئات الاقتصادية الرافض للإضراب لم يسرِ على جميع أصحاب العمل. فهناك من غرّد خارج السرب، ليعلن مشاركته في الإضراب، لاسيما بعد تلميح البعض إلى أن موقف الهيئات الرافض للإضراب إنما مرده أسباب سياسية بحتة، عنوانها الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة، وربما يخفي مطامع يسعى بعض قياديي الهيئات إلى تحصيلها، ما استلزم من رئيس الاتحاد العمالي العام التصويب وإعلانه أن الإضراب غير موجه ضد أحد، إنما ضد مبدأ المماطلة والعرقلة لعملية تشكيل الحكومة.

تجمع رجال الاعمال اللبنانيين RDCL، برئاسة فؤاد رحمة، خرج من سرب الهيئات الاقتصادية وقرر المشاركة في الإضراب، غير آبه بالخسائر التي قد تتكبدها مؤسسات أعضاء التجمع. بدوره النائب نعمة افرام أعلن وقوفه "إلى جانب صرخة الجمعة قلباً وقالباً"، ما يعني أن مجموعة شركات "اندفكو" الصناعية، التي يملكها افرام ستقفل أبوابها "ضغطا لتشكيل حكومة تحمل هموم ووجع الناس وتطلق الإنتاجية وإدارة الشفافية". وبذلك أيضاً، يكون قرار الهيئات الاقتصادية قد اختُرق من قبل صناعي (افرام) لطالما كان جزءاً من الهيئات الإقتصادية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024