لو بدأ الصندوق بالفساد؟

عصام الجردي

الجمعة 2020/05/15

متى ستصل مفاوضات الحكومة التي بدأت مع صندوق النقد الدولي إلى "الصعب الممتنع"؟ "السهل المتاح" تضمنته خطة التعافي المالية الحكومية على الورق. "الصعب الممتنع" هو سبل تحقيق ذلك ليكون للصندوق رأي نهائي. ونخشى أن يصل الصندوق إلى قناعة ليطالب الحكومة بأن تبدأ الإصلاح بمحاربة الفساد وتحسين الأداء الحكومي وهياكل السلطة في لبنان قبل أي إجراءات أخرى. لو حدث ذلك لواجهت المفاوضات خطر الفشل. وفقد لبنان منصة وحيدة بقيت متاحة ليس لقيمة القرض المتواضعة، بل للحيز المالي الذي يتيحه الصندوق وحده للبنان في هذه الظروف إطارًا لمساعدات محتملة وقروض من مصادر أخرى عربية ودولية. بينها تعهدات مؤتمر سيدر.

"الصعب الممتنع"
منعطفات أساسية قد ترجّح خيار "الصعب الممتنع" يفرضه الصندوق على الحكومة اللبنانية. ما شهدناه في الأيام القليلة على مسار صفقة الفيول أويل المغشوش لمؤسسة كهرباء لبنان. موقف أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله من المعابر مع سوريا وقضية التهريب. ومعارضة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الخطة الحكومية وعدم اشتراكه شخصيًا في المفاوضات مع الصندوق. لو سأل الصندوق الحكم والحكومة: تعلمون أن عجز الكهرباء من نحو 40 مليار دولار أميركي يساوي نحو نصف الدين العام. ما زالت الفضائح تحيط بالفيول المستورد للمؤسسة. ولا مجلس إدارة لها ولا هيئة ناظمة. هل فعلًا تريدون قرضًا ميسّرًا من الصندوق لا يساوي في الواقع سوى مقدار سنتين عجزًا في الكهرباء؟ نوافقكم على خفض عجز الموازنة؟ ألا تعتقدون أن غلق المعابر مع سوريا ينتج 4 مليارات دولار أميركي سنويًا حدًا أدنى ويساوي سقف القرض الذي يمكن أن تحصلوا عليه من الصندوق وليس قبل أكثر من سنة وبالتقسيط وبعد القيام بالإصلاحات؟ لماذا لا تقفلوا المعابر إذن؟ هل يمكن محاربة الفساد وبلوغ الحكم الصالح بلا قضاء مستقلّ، وقضاة يعينهم مجلس القضاء الأعلى؟ كيف يمكن أن تقلع إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف والدين العام كما وردت في الخطة الحكومية، والمصرف والمصارف يعارضان الخطة؟ هل صحيح أن الحكومة عاجزة عن تعيين نواب حاكم مصرف لبنان الهيكل التنفيذي للمصرف الذي يشكّل الفجوة الأكبر في أزمة لبنان المالية – المصرفية وتريدون التفاوض على إعادة هيكلة المصرف والمصارف. السؤال نفسه ينطبق على لجنة الرقابة على المصارف. ودورها  لا يقل شأنًا عن دور مصرف لبنان؟ هل صحيح أن رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء يعارضان قيام إدارة المناقصات العامة بوظيفتها في أكثر من ثلثي الصفقات والتلزيمات الحكومية بما في ذلك صفقات الكهرباء والبواخر؟ ماذا بقي لديكم للتفاوض عليه؟ هل صحيح أن الحكومة راغبة في التوازن المالي وقادرة على سداد أي قرض تحصل عليه من الصندوق؟

الصفقات قديمة ومستمرة
في 6 حزيران 2018 كتبنا في "المدن" بعنوان وَكرُ الثعابين محروقات الكهرباء "نقترب من انكشاف فضيحة الكهرباء عار لبنان الأزلي، على خلفية فضيحة أعمق لا يزال الجميع يتستّر عليها وتتعلق بملف الفيول أويل والمازوت الذي يتكئ عليه ملف الفضيحة الأولى. نحو 36 مليار دولار أميركي  (في حينه) حصة عجز الكهرباء المتراكم من الدين العام. معظمه ناجم عن تمويل شراء الفيول أويل والمازوت لزوم معامل تذر التلوث والغازات الدفيئة، وتنشر الأوبئة والأمراض المستعصية" (إنتهى الاقتباس). يأتي رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجية وله وزيران في حكومة الورقة الإصلاحية ويعلن على الملأ عصيانًا على الدولة والقضاء ورفضه تسليم موظف حكومي متّهم بصفقة الفيول أويل لاذ به. لا يحصل هذا في جمهورية الموز. ويحصل في لبنان. هل فعلًا يريد الحكم والحكومة التفاوض مع صندوق النقد الدولي على الإصلاحات والقروض الميسّرة؟ ملف المحروقات كبير جدًا وفيه من الأموال المنهوبة مقدار ما تمّ تحويله إلى الخارج.

نأتي إلى المعابر. قال نصرالله في كلمته الأربعاء الماضي ما مفاده، لو انتشر الجيش اللبناني على كل الحدود اللبنانية لا يمكن أن يمنع التهريب. ولنا في ذلك:

أولاً، ليس مطلوباً أن ينتشر الجيش على كل حجر وحبة تراب وتلة على الحدود اللبنانية السورية. هذا لا يفعله أي جيش على حدود بلده في دولة من العالم. وليس مطلوبًا أن يفعله لبنان وجيشه. ثانيًا، المطلوب بديهي ويحصل وواجب دولة ذات سيادة. نقاط مراقبة إلكترونية على مواقع محددة ومعروفة تشكل مسربًا للبضائع والأفراد. ثالثًا، أزمة المعابر على الحدود اللبنانية – السورية لا تتعلق بتهريب جزيئات هلامية ومتاع وما خفّ حمله. بل بشاحنات وقاطرات وبيك آب وسيارات وخلافها. وكلها تعبر إلى لبنان وتجتاز الحدود آمنة محمية. رابعًا وربما الأهم، لو سلّمنا بعجز كل أجهزة الدولة عن منع تلك الشاحنات وعمليات التهريب، لكن البضائع تتوجه في وضح النهار نحو تجار الجملة، ومنها إلى سوق التجزئة فالمستهلك. هل هذا المسار الذي لا يحتاج إلى أكثر من بضعة درّاجين في شرطة السير لتعقب البضائع المهرّبة والمهربين ووسائط النقل متعذر أيضًا؟ يكفي أن تقفل سبل تسويق البضائع المهرّبة وعقاب مروجيها، حتى يصبح التهريب عبئًا على أصحابه. ويأتيك مجلس الدفاع الأعلى ببيان عن "القرارات السرية والعلنية". البيان الوحيد الذي يود الشعب سماعه هو "أقفلنا المعابر واعتقلنا عصابات التهريب على الأرض اللبنانية وأحلناهم إلى القضاء". الخطوات التي أقدم عليها الجيش في الأيام الماضية وصادر شاحنات تهريب هي البداية الصحيحة لقرارات مجلس الدفاع. كل كلام آخر ضد لبنان ومصلحة شعبه واقتصاده.

نتوجه إلى رئيس الحكومة حسّان دياب. خطر جدًا ويبعث على الشك والريبة، ألّا يشارك حاكم مصرف لبنان في مفاوضات مع صندوق النقد. ومن باب أولى في ورقة التعافي نفسها. نعلم أنكم لم تتمكنوا بعد من حسم التعيينات في المصرف لتشمل رياض سلامة، رغم كل المحاولات والمشاورات. بات الأمر شديد الضرر بمصلحة لبنان الاقتصادية والمعنوية. وبسعر صرف العملة الذي يقذف اللبنانيين مدنيين وعسكريين مع تعويضاتهم إلى الفقر والعوز. قلنا بعد أن وجّهتَ اتهامًا إلى سلامة ووصفت سلوكه "مريبًا"، أن المكان ضاق لكما معًا. إما يستقيل سلامة ويحاسب في القضاء، وإما تستقيل أنت وتنسجم مع نفسك. لن نذهب بعيدًا. معظم ما تضمنته ورقة التعافي الحكومية يوافق عليه صندوق النقد الدولي وسيضيف إليه. كله كان قابلًا للتطبيق بلا الصندوق وقبل الوصول إلى الإفلاس. لماذا لم تفعلوا؟ لأن الفساد عادة ذميمة، والفاسد لا يُصلح. لو بدأ الصندوق بالفساد لانتهت مهمته قبل أن تبدأ.

إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، نريد مرسوم التشكيلات القضائية وقانون استقلال القضاء. من هنا تبدأ مكافحة الفساد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024