حقوق المستأجرين والمالكين ومأساتهم معاً: الدولة استقالت من مهامها

خضر حسان

الأحد 2020/02/16
كرٌّ وفرٌّ مستمرّان بين مالكي العقارات والمستأجرين القدامى، على خلفية التعديلات التي طرأت على قانون الايجارات رقم 160/1992 الذي يعيد النظر بآلية الايجارات وقيمتها، بعد التبدّل الذي شهدته قيمة الليرة وأسعار العقارات، بالإضافة إلى حاجة المالكين لتغيير آلية التعاقد، بما يتيح لهم التغيير التصرف بحرية أكثر بأملاكهم. وفي خضم التجاذبات التي لم تنتهِ بعد، لم تلتفت حكومة حسان دياب لهذا الملف. إذ ابتعد البيان الوزاري عنه، رغم حساسيته التي تلامس من جهة أولى ضمان حق السكن للشعب اللبناني، وتلامس من جهة ثانية مالية الدولة التي يُفترض بها دفع مستحقات مالية بواسطة صندوق خاص للإيجارات السكنية.

صندوق زيادة التعقيدات
أكدت الدولة اللبنانية عدم قدرتها على حل ملف الإيجارات. فمنذ آخر تمديد للقانون في العام 2012، تستقيل الدولة من مسؤولية تقريب وجهات النظر بين المالكين والمستأجرين، وإيجاد حل عادل للأزمة، بدل إقرار قوانين مجحفة بحق المالكين حيناً وبحق المستأجرين أحياناً.

وتزداد التعقيدات وسط لامبالاة السلطات الرسمية، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية التي تنعكس حكماً، أزمة اجتماعية، تدفع باتجاه تعقيد ملف الإيجارات على نحو لا تنفع معه الحلول الجزئية، وتسقط أيضاً أهمية صندوق الإيجارات بصيغته المطروحة. فالصندوق الذي تموله الدولة بهدف مساعدة المستأجرين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، لم يخضع لتحديد حجم الأموال التي سيحملها ولا لقيمة المستحقات التي سيدفعها، والتي بدورها مرتبطة بعدد المستأجرين، الذي لم يُحدَّد على وجه الدقة بعد. فرئيس تجمع المحامين للطعن بقانون الإيجارات وتعديله، أديب زخور، يرجّح وصول الوحدات السكنية المعنية بالملف، إلى 200 ألف وحدة، مرجّحة للزيادة مع غياب أي إحصاء دقيق. وعليه، "لا يمكن القبول بالتمويل الرمزي للصندوق الذي رُصِد له 30 مليار ليرة فقط هذا العام، وهو في الواقع بتكلفة مليارات الدولارات".

وبما أن المالية العامة في وضع لا تُحسَد عليه، وتصارع حالياً وسط ازدياد الاستحقاقات التي على الدولة تسديدها، ما يعني صعوبة تأمين أموال لتغطية استحقاقات إضافية، يصبح الصندوق في عداد النسيان، ما يدعو المستأجرين والمالكين إلى رفع متاريس الصراع بينهما وسط قانون ملىء بالثغرات والأفخاخ والبنود غير القابلة للتطبيق.

الأزمة الى تفاقم
خوفٌ متبادَل بين المستأجرين والمالكين. ويتضاعف الخوف مع تفاقم سوء الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان. فالتفاقم يعني تأجيل البحث في قانون الإيجارات، لأن هناك ما يشغل البلاد أكثر. على أن التأجيل قد يستدعي تحركاً من طرفي الملف لزيادة الضغط على الدولة. وهو ما يؤكده المنسق العام في لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين كاسترو عبد الله. ففي حديث لـ"المدن"، يشير عبد الله إلى أن "المالكين يحاولون التصعيد نتيجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، في حين تستمر لجنة الدفاع في رفض القانون ورفض محاولة تهجير المستأجرين القدامى، الذين هُم بمعظمهم من كبار السن والمتقاعدين".

ويرفض عبد الله باسم المستأجرين، الصيغة المبهمة لصندوق الإيجارات، خصوصاً في الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد، وفي ظل الهدر والفساد اللذين تتصّف بهما السلطة السياسية. لذلك "نرفض كمكلّفين لبنانيين بدفع الضرائب للدولة، أن يتم تمويل الصندوق من أموالنا، لتستفيد منها المصارف وأصحاب العقارات".

وفي حين يطالب المستأجرون بالعودة إلى القانون الصادر عام 1992، من دون تعديلاته المستجدة، يطالب المالكون بإعادة حقهم بالتصرف بأملاكهم. فمن غير المنصف أن لا يستفيد أصحاب الملك من أملاكهم وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية. لذلك، يصر عبد الله على أن "الوضع يحتاج الى نقاش ومتابعة"، على أن المتابعة ممزوجة بـ"الخوف من السلطة التي قد تخذلنا".

ينتظر الملف في لجنة الإدارة والعدل النيابية، وينتظر معه المالكون والمستأجرون ما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد. والانتظار لن يكون ساراً، وسط التغييرات التي يشهدها سعر صرف الليرة. فقيمة الإيجارات تتبدّل شهرياً مع تبدل سعر الصرف. وبذلك يفقد المستأجرون قيمة أموالهم ورواتبهم التقاعدية بالليرة، فيما يفقد المالكون قيمة إيجاراتهم مرة جديدة. أما الصندوق، فعلى الأغلب وُضِعَ على الرف إلى أجل غير مسمّى.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024