"إنجازات" حسان دياب.. تحمي الفاسدين؟

خضر حسان

الخميس 2020/05/21
يهوى رئيس الحكومة حسان دياب "الإنجازات". كل خطوة يمشيها، هي إنجاز. كل توقيع إداري، إنجاز. تنفيذ مشروع ضمن جدوله الزمني المقرر سابقاً، هو إنجاز لدياب، لمجرد تزامن التنفيذ مع فترة رئاسته للحكومة. أي حتّى التقاطع الزمني الذي يحكم الطبيعة، هو إنجاز لرئيس الحكومة. كيف لا، وهو صاحب كتاب الإنجازات الذي طُبِعَ على نفقة الدولة، وليس فيه إلا صوره مبحلقاً بالمصوّر!

انتصارات دائمة
جلّ ما يسعى إليه رئيس الحكومة هو تسجيل انتصارات. لا يهم على مَن وبماذا ينتصر، ولا يهم إن كان قد انتصر فعلاً أو هُزِم. فهو مُنتصر، لأنه الخصم والحكم. وكم يُشبه بقانونه هذا، الفريق السياسي الإلهي المنتصر دائماً، في الداخل والخارج، وإن سقط الآلاف من البشر وتهدّم الحجر وزاد الفقر وزاد الجهل.

جمع دياب بعض الخطوات، وطرّزّها ونمّقها وأخرجها للجمهور، بوصفها انجازات لحكومته بعد 100 يوم من تشكيلها. أما الإنجازات، فهي "إطلاق بداية التدقيق في ميزانية المصرف المركزي، لأول مرة في تاريخ لبنان. دعوة الجهات المانحة للكشف عن الأموال المنهوبة واسترجاعها. إقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وإقرار تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتية عنه. طلب إجراء التحقيقات بخصوص الأموال التي حولت إلى الخارج قبل وبعد 17 تشرين الأول 2019. مشروع قانون يرمي إلى رفع السرية المصرفية. استرداد إدارة وتشغيل قطاع الهاتف الخليوي والتحضير لمناقصة عالمية. إنجاز القوانين المتعلقة باستقلالية القضاء والتنظيم القضائي. وضع سياسة جزائية عامة عبر استبعاد التوقيف الاحتياطي إلا عند الضرورة. بدء المفاوضات لتلزيم استقدام الغاز الطبيعي عبر المنصات العائمة لتخزين وتغويز الغاز الطبيعي. انتهاء المرحلة الأولى من التنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية، والاستعداد للمرحلة الثانية".

شكل التدقيق
تفنيد المشاريع التي ذكرها دياب، يحتاج إلى مجلّدات. إذ فيها من الثغرات ما يكفي لإقالة وزراء ومحاسبة مسؤولين وموظفين من كافة الفئات الوظيفية. لكن لا ضير بمرور سهل يُظهر حجم الدعاية التي تروّجها هذه الحكومة لنفسها.

التدقيق في ميزانية المصرف المركزي ستتولاه جهات أجنبية. ألا يملك لبنان كفاءات قادرة على التدقيق؟ بالتأكيد يملك. كما أن الحكومة تفاخرت بأنها ذات صفة اختصاصية. فهل اختفى الاختصاص؟
الاعتماد على شركات أجنبية يحيلنا إلى ذهنية الطبقة السياسية التي تتجه نحو الشركات الأجنبية كترجمة للمثل الشعبي "الفرنجي برنجي". كما أن الركون إلى جهات أجنبية، يوحي للرأي العام بجديّة تنفيذ المهمة. ومع ذلك، يمكن التغاضي عن هوية المدققين، شرط تحديد دياب وحكومته، طبيعة التدقيق، هل هو تدقيق عادي أم استقصائي؟ والفرق شاسع بين الخيارين. فالأول يفترض احترام القوانين والأنظمة وحسن النية مع الطرف المدَقَّق في حساباته، فيما الثاني ينطلق من وجود غش في العمليات المراد تدقيقها وارتياب حيال الجهة التي أجرت العمليات.
فضلاً عن أن اختلاف رد الفعل على نتائج كِلا الخيارين. فورود خطأ في حالة التدقيق العادي المستند إلى حسن النوايا، يمكن تحديده ومعالجته بصورة طبيعية وفق المعايير. لكن الخطأ في التدقيق الاستقصائي، لا يمكن الاكتفاء بتصحيحه، لأنه ينطلق من مخالفة للأنظمة بنية مسبقة. أي أن المخالفة مقصودة، وبالتالي تستوجب المحاسبة.
والتدقيق المقصود حالياً، يحتاج الجانب الاستقصائي، لأننا نتحدث عن أموال منهوبة وعن أشخاص مخالفين للأنظمة والقوانين بصورة منظّمة ومدروسة، حصلت بعد تسجيل قيود بتبويب مريب في ميزانية المصرف المركزي.
عدم تحديد شكل التدقيق، يشكّل إخفاقاً للحكومة. فهي ستخرج للجمهور بعد التدقيق، لتخبره بعدم وجود أخطاء وتجاوزات. فهدر المال العام استند إلى قرارات التزم بها مصرف لبنان وحاكمه، أي أنه لم يخالف.
وأبرز الأدلة على الخلاصة المعروفة، هو تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنه موّل الدولة بقرار مستند إلى القوانين، سائلاً عن كيفية صرف تلك الأموال. أي أن الحاكم يؤكد وجود هدر للمال العام، لكنه ليس مثبتاً في موازنة المركزي، ولا علاقة للمركزي بالهدر. وهذا صحيح من الناحية الشكلية، وهو ما سيثبته التدقيق الشكلي.
أما في الجوهر، فالحاكم يعلم بوجود الهدر، واستمر بتمويل الطبقة السياسية عينها، من أموال الناس التي تتشكّل منها أموال المصارف، التي اجتذبها سلامة بعد إغراء المصارف بالفوائد المرتفعة. وهذا يُعَدّ تواطؤاً بين المصارف التجارية والمصرف المركزي، لأنهما يضعان أموال المودعين في قبضة الطبقة السياسية التي تبدد الأموال، وهو ما اعترفت به المصارف والمصرف المركزي. فلماذا غضّت المصارف النظر عن استعمال المركزي لأموالها في تمويل دولة غير قادرة على سداد ديونها؟

معزوفة مكافحة الفساد
ملّ الشعب من سماع المقطوعة نفسها: مكافحة الفساد. والمضحك أن السلطة السياسية، تشكّل لجاناً في كل مرة تتحدث فيها عن مكافحة الفساد، فتبرهن اللجان فشلها وتتحول هي إلى بؤرة للفساد.

لبنان لا يحتاج إلى لجان أو استراتيجيات لمكافحة الفساد. فالفساد واضح ومرتكبوه يتحركون بحرية في الطرقات والمكاتب والمناصب. بل ويجتمعون ويقررون مكافحة الفساد. أيكافحون أنفسهم؟.
حتى اللحظة لم تفتح حكومة دياب ملفاً واحداً بشكل جدّي. مع العلم أن الملفات ماثلة أمام الجميع، ولا تخفيها ملفات صدّعَ البعض أدمغتنا بها، وبكونها ستطيح برؤوس كبيرة فيما لو تم الكشف عنها.
ومع ذلك، يمكن البدء بمراجعة المشاريع والمناقصات التي جرت خارج إدارة المناقصات في التفتيش المركزي. فهناك منبع الفساد المطلوب مكافحته. وبدل فعل ذلك، مرّ دياب سريعاً على ملف الخليوي، واهتمّ فقط باستعادة الدولة إدارة الشركتين، من دون إقامة أي اعتبار للمحاسبة عن الفترة الماضية.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى ملف استقدام منصات الغاز العائمة. فهي أيضاً صورة عن الفساد، حين يوافق دياب وحكومته على المسار الذي رسمه الوزير جبران باسيل لقطاع الطاقة، منذ العام 2010. ووفق المسار، تريد وزارة الطاقة ذات الصفة العونية الخالصة، استقدام 3 محطات، فيما الخبراء يؤكدون حاجة لبنان إلى محطة واحدة، فيما أقصى الاحتمالات لا تتجاوز الاستعانة بمحطة ثانية، لا أكثر. لكن منطق التحاصص الطائفي السلطوي، يفترض الاتيان بثلاثة محطات لأسباب سياسية ولتوسيع دائرة الاستفادة.
إذاً، الانجازات تُسجَّل فيما لو راجع دياب وحكومته عقود المناقصات والجهة التي أجرتها، وفيما لو راجع موافقات الجهات الرقابية على المناقصات برغم المخالفات

عناوين للزينة والشكل، حملتها الحكومة ورئيسها، بعد أن وافقوا على حمل مشاريع الحكومات السابقة. فلا انجاز ولا منجزين، بل إخفاق وإدانة سيتعاظمان مستقبلاً بسبب افتقار دياب وحكومته للأهداف والوسائل. فلا يبقى أمام اللبنانيين إلاّ وقت إضافي يضيع بانتظار استمالة صندوق النقد وحاملي الأموال في مؤتمر سيدر، وهو أمر صعب التحقق، لأن لبنان يحمل أوراقاً تفاوضية مكشوفة وخاسرة. وما تقدّم، يحمي الفاسدين ويبعثر أدلة إدانتهم. فتلك "الانجازات" تحيّد السياسيين وأداوتهم من دائرة الاتهام والتحقيق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024