اقتصاد الأزمات: كورونا يضرب المؤسسات ويُحيي السلطة

خضر حسان

الإثنين 2020/03/30
لم تغيّر أحزاب السلطة نموذجها المعتمد في الترويج لنفسها، والسيطرة على الجمهور. ولم تستطع تطوير أسلوبها، رغم اختبار بعضها أساليب أقطاب السلطة في أوروبا في زمن النفي إلى فرنسا. فما زالت الأحزاب تستنفر محازبيها وتُخرِج "عدةّ الشغل"، وتتجه الى الطرقات ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لتوزيع فتات المساعدات الغذائية، وفتات الخطابات والدعاية الفارغة من المحتوى والإبداع الفني، في حين لا تلتفت إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لصمود الجمهور في الأزمات.

وليس ذلك وليد صدفة أو ضعف في الخبرات، بل إن تجاهل الإجراءات الفعّالة هو جزء من عدّة الشغل، فمأسسة الإجراءات الوقائية وتقديم الخدمات والمساعدات، يسحب من يد الأحزاب ورقة ضغط مهمة لإخضاع الجمهور، ومنافسة الخصوم. واللافت أن أعضاء الحكومة الحالية يعرفون كل ما تقدّم، ويصرّون على إمكانية التغيير وسط المعطيات عينها. على أن شعار التغيير، يخرقه من حين لآخر، صوت وزير ضاق من الانتقادات، فينطق بالحقيقة، ثم يعود إلى قواعد اللعبة.

تحذيرات مستمرة
خسرت أحزاب السلطة أكثر من فرصة لتدارك الأزمات، وتصحيح صورتها أمام المواطنين. ولم يستطع فيروس كورونا إيقاظ السلطة بعدما عجزت تظاهرات 17 تشرين الأول2019. بل على العكس، كلما ظهرت أزمة، تعرّت السلطة أكثر، واعتبرت أن الأزمات موجهة ضدها، فتشتد في التصلّب ورفض الإصلاح.

تشير أرقام القطاعات الاقتصادية إلى تراجعات هائلة تُثقِل الاقتصاد العام وتأخذه نحو الهاوية. وزاد الفيروس من الإثقال، وصولاً إلى "التأثير الكارثي على المنظومة الاقتصادية"، وفق وصف رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد، الذي اعتبر أن "المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستكون أول ضحية بعد انتهاء هذا الفيروس".

أما الحل، فهو "تغييرات جذرية بنيوية، عبر تغيير منظومة الدفع وخفض الضرائب بشكل سريع وبخطة آنية. وإصلاح ضريبي وتحفيز الانتاج وتنظيم منظومة الدفع، وإلا فإن الوضع الاقتصادي على شفير الهاوية".

الحديث عن التغيير الجذري ليس مرصوداً في منهج أحزاب السلطة، وباعتراف من أتت بهم السلطة الى الحكومة الحالية. فعلى أثر تصعيد بعض الأحزاب لخطاباتها السياسية البعيدة عن الإيجابية الاقتصادية والاجتماعية، اعتبر وزير الاقتصاد والتجارة، راوول نعمة، أن "بعض النواب والسياسيين يتشاطرون بتحميل الحكومة، وتحميلي كوزير للاقتصاد، مشكلة ارتفاع الأسعار، لشعبوية زائفة ومعيبة، متناسين أنهم من أهل السلطة التي حكمت وأوصلت البلاد إلى ما هي عليه. ومشكلة ارتفاع الأسعار بالأساس هي مشكلة سعر صرف الدولار، ومشكلة استيرادنا لمعظم موادنا الاستهلاكية. وللأسف، الأسعار ترتفع عالمياً بسبب تداعيات أزمة كورونا".

وفي تعليق له على مواقع التواصل الاجتماعي، رأى نعمة أنه "حبذا لو عملوا على تحفيز قطاعاتنا الانتاجية منذ 30 عاماً، وحبذا لو عملوا على زيادة صلاحيات وزارة الاقتصاد، من خلال تحديث قانون حماية المستهلك، وحبذا لو عملوا على إمدادها بالموارد البشرية الكافية واللازمة، لتمكينها من مراقبة كافة الأسواق اللبنانية".

استغلال للازمات
وضع نعمة اصبعه على الجرح، لكنه ضغط عليه من دون أن يداويه، لأنه جزء من لعبة السلطة التي ينتقدها. وبالتالي، إن كان يدري أو لا يدري، يساهم في تفعيل السجالات السياسية، التي لا طائل منها سوى رفع صوت أحزاب كان قد خفت صوتها قليلاً، إبّان التظاهرات التي قضى عليها كورونا، وأنهت حكومة نعمة وجودها الرمزي، عبر إيعازها للقوى الأمنية بالإغارة ليلاً على خيم وسط بيروت. وبالتالي، فإن حكومة نعمة التي صدّعت رؤوسنا بأنها تمثل صوت المتظاهرين، قمعت صوتهم، خدمةً لأحزاب السلطة.

وعليه، فإن ما ينتظر الاقتصاد اللبناني هو انهيار، لن يسلم منه سوى من هرّب أمواله إلى الخارج، وبقي في الداخل حاملاً قوته السياسية والشعبية ليرهب بها خصومه. والكل في هذه الحالة، يرقص على أنقاض اقتصاد وأنقاض قيمة شرائية للعملة اللبنانية.

وآخر طقوس الرقص، هو السجال حول السماح للمغتربين بالعودة إلى لبنان في ظل كورونا. وبين مؤيد ومعارض، لم يُسمَع صوت الحديث عن أسباب اغتراب هؤلاء، وكيفية تأمين سبل بقائهم إن عادوا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024