شركات النفط تُمعن بالفجور وتطالب الدولة بالرسوم!

عزة الحاج حسن

الأربعاء 2020/05/13
يحاول تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان الدفاع عن نفسه بعد استدعاء المدعي العام المالي، القاضي علي ابراهيم، لممثلي الشركات للتحقيق في ملف تقاضيهم رسوماً على مدار سنوات من دون وجه حق، نظراً لانضمام لبنان للاتفاقية الأورومتوسطية، التي تنص على إعفاءات الجمركية لعدد كبير من المنتجات والسلع، ومنها مادة البنزين المستوردة من الدول الأوروبية.

لم تنكر الشركات خلال سردها لواقع العلاقة بينها وبين الدولة، وتنظيم عملية استيراد المحروقات، استيفاء الرسوم (المُعفى منها بموجب الاتفاقية الأورومتوسطية). لكنها تعرض الصورة انطلاقاً من قناعتها بأحقية حلولها مكان الدولة، واستيفاء الرسوم من المستهلكين، وإن بـ"الإستقواء" والاستخفاف بقدرة الدولة على حماية مواطنيها من الاستغلال، حتى انها تطالب الدولة جهاراً بسداد الرسوم الجمركية التي استوفتها بدلاً منها.

واقع الأمر
في واقع الأمر تخالف الشركات المستوردة للنفط القوانين، وتختلس أموال المستهلكين على مدى سنوات، بعلم الدولة وموافقتها غير المُعلنة. ما حصل أن الشركات عمدت منذ العام 2002 على استيفاء رسم جمركي من المستهلكين كجزء من ثمن البضاعة التي تستوردها، علماً أن المشتقات النفطية تخضع لاتفاقية Euro1، أي اتفاقيّة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي وقّع عليها لبنان عام 2002. وتم إعفاء الدولة اللبنانية تدريجياً من الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، ومنها المشتقات النفطية، وإعفاءً كلياً منذ العام 2013.

استمرت الشركات باستيفاء الرسم الجمركي كجزء من ثمن صفيحة البنزين حتى العام 2017، حين بدأت الدولة باستيفاء الرسم بدل الشركات، بمعنى أن الدولة بدلاً من إعفاء المستهلكين من الرسم الذي كانت تستوفيه الشركات منهم دون وجه حق، عمدت إلى استيفائه من المستهلكين بدلاً من الشركات.

وقاحة الشركات
واليوم بعد فتح الملف أمام القضاء، تطالب الشركات- وبكل وقاحة- الدولة بإعادة ما استوفته من رسوم بدلاً منها، منصّبة نفسها جابياً للرسوم بديلاً عن الدولة. ويستغرب الوزير السابق لشؤون الفساد نقولا التويني مطالبة الشركات بتقاضي الرسم من جديد "فقد اعتادت الشركات على الحلول محل الدولة. وهذا الأمر لم يحصل في تاريخ الدول ولا بتاريخ تجربة الشعوب ولا بتاريخ الشركات الخاصة.. لم يحصل أن تطالب شركات مستقلة خاصة بحقوق الدولة. فالشركات تريد صراحة أن تحل محل الدولة" يقول التويني.

وإذ يحاول التويني، وهو المتابع الأول للملف في العام 2017، في حديثه إلى "المدن"، لفت نظر القاضي ابراهيم لجهة تسلّط الشركات وتعديها على مستحقات الدولة، يؤكد أن الأموال التي تطالب الشركات باستعادتها من الدولة هي في حقيقة الأمر تُستحق للمستهلك، فالمستهلكين هم من يدفعون تلك الرسوم، فلا يحق لا للدولة ولا الشركات تكبيد المستهلك رسوماً هو معفى منها.

وقد تقاضت الشركات المستوردة للنفط  وفق دراسة تفصيلية، زوراً، أكثر من 18 مليون دولار عن أربع سنوات فقط، من العام 2013 وحتى العام 2016 لقاء الرسم الجمركي. أما إجمالي ما حصلته الشركات فيقارب 38 مليون دولار. من هنا، يصف التويني مطالبة الشركات باسترداد تلك الرسوم بـ"الوقحة. فهم يظنون أن العملية سهلة وسيتم تسكير الملف بالضغوط كالعادة، ويتهربون من سداد الـ38 مليون دولار".

رواية الشركات
وتتلخّص رواية الشركات للقضية من العام 2002، تاريخ توقيع لبنان على الاتفاقية الأورومتوسطية، بأن المجلس الأعلى للجمارك حدّد حينها الأصول الواجب اتباعها لاستفادة الشركات من الإعفاءات الجمركية، بعد توقيع لبنان على الاتفاقية الأورومتوسطية. وبناء عليه، طبقت الدولة اللبنانية ممثلة بالجمارك اللبنانية الإعفاء الجمركي البسيط على الرسم الجمركي الموحد على مادة صفيحة البنزين (20 ليتر)، والذي يقدر بحوالى 70 ليرة لبنانية.

وتأكيداً على التزام لبنان بالاتفاقيات الدولية، أعيد بتاريخ 23/2/2017 نشر القانون رقم 23 في الجريدة الرسمية، وموضوعه إبرام الاتفاقية الأورومتوسطية. إلا أن المجلس الأعلى للجمارك، وفق بيان الشركات، وخلافاً للاتفاقات الدولية النافذة وللقانون، قرر بتاريخ 28/3/2017 وقف العمل مؤقتاً بالاعفاءات الجمركية، بالرغم من أن اتفاقية الشراكة الاوروبية لا زالت نافذة. لذا، نفذت الشركات المستوردة للنفط القرار مكرهة، رغم اعتراضها على قرار المجلس الأعلى للجمارك، انطلاقاً من قناعتها بوجوب تطبيق الاتفاقية الدولية، ومن عدم أحقية إعادة فرض هذه الرسوم الجمركية البسيطة.

وبناءعلى صوابية العمل بالإعفاءات الجمركية، وجواباً على طلب استشارة وزير مكافحة شؤون الفساد نقولا التويني بتاريخ 04/07/2017، أصدرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل بتاريخ 17/7/2017 الرأي القانوني الذي جاء فيه: المعني بإلغاء الرسوم الجمركية هو التاجر الذي يملك رأس المال، الذي يستورد المنتجات من الدولة الطرف في المعاهدة التجارية، بعد أن يتم إعفاءه من دفع الرسم الجمركي على هذه المنتجات. ويحظر على الدولة اللبنانية استيفاء أي رسم جمركي من الشركات التي تستورد المحروقات السائلة من الاتحاد الأوروبي أو من الدول الأخرى، التي أبرمت معها اتفاقيات، وإلّا تُساءل دولياً عن نقض بنود الاتفاقية الملزمة التطبيق، وتتعرض ان يعتبرها معاقدها منسحبة منها.

وتجاهر الشركات بالقول أنه "إذا كان هنالك من جهة ما يجب أن تعيد المال لأحد، فهي الدولة اللبنانية التي ينبغي عليها أن تعيد إلى الشركات المستوردة للنفط كل الرسوم الجمركية التي كلفت بها ودفعتها بغير وجه حق، وبمخالفة فادحة ومعيبة لاتفاقية دولية نافذة أقرها وصدق عليها لبنان"!!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024