المصارف تستبعد مستلزمات طب الأسنان: اقلعوا أسنانكم بالليرة

خضر حسان

الأربعاء 2019/11/20
استعملت السلطة البنج السياسي والمالي والمؤامراتي لتخدير أوجاع الناس المعيشية. أمّنت بسياساتها المالية كل ما يحتاجه جمهورها ليسكت عن مطالبه لنحو 30 عاماً. لم تقتنع السلطة أن سياستها ستنقلب عليها، ففائض العنجهية جعلها تختال أمام مرآتها فترى جمهوراً خانعاً سيسكت مهما زادت الأزمات. لكن رياح 17 تشرين الأول، أطاحت بالمرآة لتكشف الوجه الحقيقي لسياسات السلطة القائمة على التخلي عن كل القطاعات، باستثناء القطاع المصرفي. وقطاع اللوازم الطبية جزء من القطاعات المهملة بفعل عدم تأمين الدولار للاستيراد.

لا بنج للأسنان
تُعتبر زيارة طبيب الأسنان لدى الكثيرين، زيارة غير مرحب بها ويفرضها الألم غير المحتمل. وزادت أزمة شح الدولار، واحتمال شح بعض المواد والمستلزمات الطبية، من عدم الترحيب بزيارة طبيب الأسنان. لكن المشكلة الأكبر هي تلويح نقابة أطباء الاسنان وتجمع مستوردي لوازم ومواد طب الاسنان، بنفاذ "قسم كبير من مخزون مستودعات طب الاسنان، بما فيه مادة البنج"، حسب ما جاء في البيان الموجّه من النقابة والتجمع إلى كل من وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال، جميل جبق، وحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف في لبنان، سليم صفير.


وأشار الطرفان في الكتاب، إلى أن "المخزون المتبقي لا يؤمن حاجات السوق الطبي اللبناني حتى نهاية الشهر الحالي، وتفادياً لنفاذ المواد الطبية الأساسية للمعالجة السِنية، وبما أننا لا نستطيع معالجة وتخفيف آلام أسنان مرضانا، أطفالاً وكباراً، من دون تأمين هذه المواد، نطلب من جانبكم التمني على المصارف تسهيل الأعمال والتحويلات المصرفية إلى الخارج لمستوردي لوازم أطباء الاسنان. تأمين احتياجاتنا من العملات الأجنبية للاستيراد. إعادة التسهيلات المصرفية وذلك حرصاً على الاستمرارية".

وينضم بذلك قطاع طب الأسنان إلى قطاع المستشفيات ومستوردي الأجهزة والمعدات الطبية، الذين أكدوا ضرورة تدخل مصرف لبنان لتأمين الدولار لهؤلاء المستوردين، أسوة بمستوردي البنزين والقمح والدواء، لأن أهمية المستلزمات الطبية توازي أهمية الأدوية.

بين الأطباء والمرضى
حالياً، لم يتبلّغ أطباء الأسنان من نقابتهم أي شيء حيال الأزمة، كما لم تفتقر عياداتهم إلى أي مستلزمات. لكن يتخوّف الأطباء من توجّه الشركات المستوردة إلى "رفع أسعار المستلزمات وإجبار الأطباء على دفع ثمنها بالدولار أو بالليرة، وفق سعر صرف مرتفع يحددونه استنسابياً. والكل يعلم أن سعر الدولار في السوق يصل أحياناً إلى 1900 ليرة"، وفق ما يقول أحد أطباء الأسنان الذي يشير في حديث لـ"المدن"، إلى أن "لا شيء مضمون في هذا الموضوع".


يضطر أهل القطاعات إلى رفع أجورهم وأسعار المواد التي يبيعونها. وفي حالة أطباء الاسنان، فإن كلفة زيارة الطبيب سترتفع. إذ سيوزّع الأطباء الكلفة بين أجرة جهدهم في العمل وكلفة المواد المستعملة في العلاج، والتي يتم شراؤها بالدولار أو بالليرة بسعر مرتفع. لذلك "سيتجه الاطباء إما إلى رفع أجورهم أو تحمل جزء من الكلفة على حساب ربحهم الخاص، وهذا متروك لقرار كل طبيب وبحسب نوعية علاقته بالمرضى".

المصارف تحيلها للمركزي
منذ الإعلان عن أزمة شح الدولار، تلجأ المصارف إلى رمي الكرة في ملعب مصرف لبنان بوصفه المصرف المركزي المسؤول عن إدارة النقد. والمركزي كان قد أصدر قراراً للمصارف بعدم الافراج عن كميات كبيرة من الدولار حتى لأصحابها المودعين. وتوالت عمليات التضييق على الدولار بقرارات رسمية أو بإجراءات استنسابية للمصارف. وآخر القرارات كانت عبارة عن سبعة بنود حكمت العلاقة بين المودعين والمستوردين والمصارف، على الأقل للمرحلة المقبلة. وأبرز البنود التي تمس المستوردين مباشرةً، هو البند الذي ينص على أن "التحويلات إلى الخارج تكون فقط لتغطية النفقات الشخصية الملحّة"، أي أن المستوردين لن يستطيعوا تأمين الدولار للاستيراد، فالمستوردات ليست نفقات شخصية ملحّة. 

أمام هذا الواقع، لن تقدم المصارف من تلقاء نفسها على أي خطوة إيجابية، بل تحيل الملف برمته إلى المصرف المركزي لأن "المصارف ملتزمة بقرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمعدات أو المستلزمات الطبية ليست مشمولة بالقرار. ولا يمكن للمصارف تأمين الدولار لغير الدواء والقمح والبنزين. وتأمين الدولار لغير المواد المتفق عليها، هو أمر خاضع للتفاوض بين المصارف وأصحاب الشأن"، تقول مصادر مصرفية.
وتلفت المصادر النظر في حديث لـ"المدن"، إلى أن تحديد النفقات الشخصية الملحّة "أمر خاضع أيضاً لاستنسابية المصارف، فكل مصرف يقرر النفقات الشخصية وفق ما يراه مناسباً".

لا شي رسمي بخصوص المعدات الطبية، هذه هي خلاصة المصارف. ومن هنا، تؤكد المصادر على ضرورة "تعديل مصرف لبنان لسياساته، وأولى التعديلات يجب أن تطال خفض مستوى الفوائد المرتفع جداً، فالمرحلة الحالية تحتاج إلى عقلية اقتصادية جديدة".

الأصوات المصرفية تعلم المشكلة وتعلم الحل، الذي لن يُفرج عنه المصرف المركزي. فالإفراج عن الحل الذي سيصيب معدل الفوائد ويؤكد أزمة سياسات المركزي، سيعني انهيار فلسفة جذب الودائع بفوائد مرتفعة وانعاش القطاع المصرفي على حساب كل القطاعات، وإن كانت قطاعات صحية تُعنى بحياة المواطنين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024