القضاء على "كارتيلات" الدجاج: الحلّ آتٍ من البرازيل؟

خضر حسان

الثلاثاء 2020/11/10
لا يختلف قطاع الدواجن عن أي قطاع آخر، لناحية خضوعه لكارتيلات تحتكر الإنتاج فيه، وتُحدِّد حجمه وأسعار مبيعه. فيصبح الإنتاج الوطني في هذه الحالة، عبئاً على المستهلك، لا حلاًّ يدعم الاقتصاد ويقدِّم أسعاراً منافِسة لما هو مُستَورَد. فعلى شاكلة الإسمنت، تسيطر بعض العائلات على قطاع الدواجن، فتطرح أرضاً كل قواعد المنافسة وانخفاض الأسعار، وتبني علاقات نَفعيّة مع نافذين سياسيين داخل الدولة، لتَأمَنَ "شَرَّ" تحرير القطاع عن طريق فتح المجال أمام الاستيراد. ذلك أنَّ الاستيراد يؤمِّن الدجاج بأسعار منخفضة جداً مقارنةً مع الأسعار التي يحددها المنتجون المحلّيون.

استغلال الأزمات
لسنوات طويلة اعتاد اللبنانيون أسعاراً معيّنة للفرّوج. ولم تكن الأسعار محطّ انتقاد لاذعٍ إلاّ في مناسبات محدَّدة، كشهر رمضان، حين يلجأ أطراف حلقة الفرّوج، من المنتجين إلى الباعة مروراً بالموزّعين، إلى رفع الأسعار للاستفادة من "موسمٍ" يتزايد فيه الطلب على الفرّوج. غير أنَّ استقرار الوضعين الاقتصادي والنقدي إلى حدٍّ بعيد، لم يكن يفتح المجال أمام انفلات الأسعار بصورة واسعة كما هو حاصلٌ اليوم، تحت غطاء ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الليرة.

وفي محاولة لمنع استغلال الأزمات، حدَّدَت وزارة الاقتصاد أسعار الفرّوج. وبالتوازي مع قرار الدعم، بات هناك فرّوج مدعوم يمكن للمستهلك شراؤه من التعاونيات بأسعار منخفضة. وبالإضافة إلى ذلك، قرَّرَ وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عبّاس مرتضى، فتح باب استيراد نحو 2000 طن من الفرّوج المثلّج من البرازيل، بهدف "خلق توازن بين العرض والطلب"، وسيبقى باب الاستيراد مفتوحاً إلى حين "تعديل منتجي الفرّوج حجم انتاجهم".

في المقابل، رَفَضَ منتجو الدواجن قرار الوزير، باعتباره يسمح للمنتجات المستوردة بمنافسة المنتجات اللبنانية، خصوصاً وأنّ المزارع اللبنانية قادرة على تلبية حاجة السوق، لكنها تحتاج إلى بعض الوقت ريثما تزيد المزارع انتاجها، الذي لم يستطع تلبية ارتفاع الطلب المفاجىء على الدجاج بعد ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء. علماً أن الكميات المسموح باستيرادها لا تغطّي حاجة السوق. ورأى رئيس النقابة اللبنانية للدواجن موسى فريجي، أنّه كان يُفتَرَض بوزير الزراعة عدم إصدار قراره، فيما "يستطيع المستهلك الانتظار"!

هروب من المسؤولية
يُطلَب دائماً من المستهلك الانتظار، وهي ثقافة عمَّمَتها السلطة السياسية ومارستها أقطاب الاحتكارات. فهؤلاء يريدون من المستهلك الذي فَقَدَ راتبه القدرة الشرائية، وفي أسوأ الأحوال فَقَدَ عَمَله، أن يشتري الفرّوج الحيّ بنحو 20 ألف ليرة، والمسحَّب منه بنحو 30 ألف ليرة، والفروّج المشوي بما لا يقل عن 25 ألف ليرة. وأن يحتمل عدم توفّر الفرّوج بالكميات المطلوبة، وخصوصاً المدعوم منه. فالنزول إلى التعاونيات للاستفادة من الفرّوج المدعوم، لا يعود غالباً بالفائدة المرجوَّة، لأن الأسعار المُخَفَّضة تعني غالباً عدم وجود السلعة، فيصبح الدعم إسمياً فقط، ويبقى المجال مفتوحاً أمام كارتيلات الاحتكار لتحديد الكمية والأسعار.

هو هروب من المسؤولية يمارسه المنتجون. لكنَّ ذلك لا يعفي الدولة من مسؤوليتها. فاعتراف وزير الزراعة بوجود "3 كارتيلات متحكمة بالقطاع عمدوا إلى تخزين الدجاج وحققوا أرباحاً أدّت إلى ارتفاع الأسعار إلى 35 الف ليرة"، هو بمثابة إخبار للقضاء وحُكم على الدولة بتهمة تشجيع الاحتكارات وعدم إنصاف المستهلك. ومع ذلك، لم يتحرَّك أحد، ولم يخبرنا وزير الزراعة عن هوية المحتكرين، وإن كانت أسماء شركاتهم الكبرى معروفة في السوق، إذ يجب تحديد الأسماء بشكل علني، مع متابعة قضائية رسمية.

أمّا خطوة السماح بالاستيراد، فلا تكفي سوى لإيهام الناس بأن الدولة تعمل لتأمين مصالحهم. فالحلُّ لا يكون إلاّ بالاستدامة، فيمكن لوزارة الزراعة أن تبدأ "بوضع خطّة متكاملة على المدى المتوسّط، تنطلق من دعم المزارعين بشكل مباشر من دون المرور بوسطاء وموزّعين"، حسب ما يراه رئيس جمعية جماية المستهلك زهير برّو، الذي يؤكّد في حديث لـ"المدن" على أن استيراد الفرّوج المثلَّج في هذا الظرف الاقتصادي "لا يضرب الانتاج المحلّي، وإنما يدفع المنتجين إلى تخفيض أسعارهم ليتمكَّنَ المستهلكون من شراء المنتجات الوطنية". ويربط برّو بين عمليات الاحتكار في قطاع الدواجن وبين تلك الموجودة في قطاعات أخرى مثل الاسمنت والخليوي والدواء، فالأسعار في تلك القطاعات "مرتفعة جداً مقارنةً مع الأسعار في باقي دول العالم بنسبة لا تقلّ عن 4 أضعاف. وهذا عائد لسياسات الاحتكار التي لا يزيلها حالياً سوى السماح بالاستيراد". ويرفض برّو "الدعم المطلق للانتاج المحلّي، حين يكون هناك فساد واحتكارات، لأن هذا الدعم لا يصب في مصلحة المستهلكين في مثل هذه الظروف. وإنما المطلوب هو دعم الانتاج المحلي الذي يؤدي إلى خفض الأسعار وتحسين جودة الانتاج". ويميّز رئيس جمعية المستهلك بين صغار المزارعين وكبارهم، فلا يستفيد الصغار من الاحتكارات، بل يدفعون ثمن هذا النظام كسائر المستهلكين.

تفلّت الأسعار آتٍ
جدليّة ارتفاع الأسعار وانخفاضها، ومظلومية المنتجين على وقع نغمة ارتفاع أسعار الدولار، والصوت المُحِق للمستهلكين، جميعها قد تسقط قريباً مع وقف سياسة الدعم المجتزأة التي يمارسها مصرف لبنان، والتي تؤدّي بشكل ما إلى عدم قفز الأسعار إلى معدّلات خيالية. فوقف الدعم وانكشاف المزيد من الإفلاس في بنية هذا النظام، سيحرّر الأسعار، وعندها لن ينفع أيّ قرار بمراقبة الأسعار أو السماح بالمزيد من الكميّات المستوردة، لأن لا رادع أمام المستوردين للالتزام بالأسعار المنخفضة. وفي أحسن الأحوال، سيعرض المستوردون بضائعهم بأسعار أقل بنسبة ضئيلة من الانتاج المحلّي، فترتفع جميع أسعار المواد المعروضة في السوق، والدجاج جزء أساسيّ منها. ولذلك، من المتوقّع ان يرتفع سعر الدجاج أكثر مما هو عليه الآن مستقبلاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024